مساحة حرة

هل هي استدارة..أم هزيمة؟؟

من المؤكد بأن مقاربة الحكومات الغربية لموضوع الإرهاب وأثره على مستقبل بلدانهم تختلف كلياً ما بعد هجمات الجمعة الحزينة في 13 تشرين الثاني الجاري على باريس عما كانت قبلها.

السؤال الذي يتبادر لأذهان المراقبين هو: هل استسلمت أنظمة الدول الغربية لوجهة النظر الروسية التي عبر عنها الرئيس الروسي”فلاديمير بوتين” أثناء لقائه قادة تلك الدول في قمة العشرين: عندما أكد لهم أنه لا يُمكن لقوة في العالم أن تقضي على الإرهاب بدون قوات برية محترفة ومجهزة ومدربة تدريباً عالِ المستوى، وأن أية محاولة في الحرب على الإرهاب والقضاء على التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية ممثلةً بتنظيمي”داعش، وجبهة النصرة” وغيرهما من التنظيمات التكفيرية المتشددة لن يُكتب لها النجاح بدون التعاون والتنسيق مع الجيش العربي السوري صاحب الأرض والذي أثبت قدرة كبيرة في الحرب على التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها؟

الجواب على هذا التساؤل حملته التطورات السريعة المتلاحقة والتصريحات العلنية التي أطلقها العديد من المسؤولين الغربيين الذي أكدوا من خلالها على ضرورة التعاون مع الجيش العربي السوري كخيار موضوعي وحيد في مواجهة الإرهاب وكان آخرها يوم الجمعة الماضي عندما تضمنت إجابة وزير الخارجية الفرنسي “لوران فابيوس” على سؤال من قبل قناة (إر. تي. إل) حول الخيارات المتوفرة في محارب”داعش” والقضاء على الإرهاب وحملت صيغة السؤال: “لماذا لا تكون القوات السورية النظامية؟”

وبالرغم من استمرار البعض من المسؤولين الغربيين وفي مقدمتهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية  الأساسيين في القارة العجوز”بريطانيا وفرنسا”بإعادة اجترار العبارات والمواقف السابقة ذاتها ضد القيادة السورية و”النظام السوري” والتمسك برؤيتهم الغبية في تأييد الحرب الدائرة على سورية التي شاركوا فيها جميعهم “أصدقاء سورية” بشكل غير مباشر وأحياناً أخرى بشكل مباشر من خلال التدخل السافر في الوضع الداخلي السوري بتفاصيله الدقيقة واللعب على وتر مستقبل الشعب السوري ورئيسه، نجد أن هناك تحولاً جوهرياً في آلية صياغة الأفكار السياسية وطرحها حول مستقبل الحل السياسي للأزمة السورية، وهي لا تُعبر عن استدارة موضوعية لمواقف وسياسات تبين عدم صحتها، بقدر ما هي هزيمة سياسية مدوية تعكس حالة من التأزم البنيوي في المجال الأمني والسياسي في تلك الأنظمة الغربية الاستعمارية، وأظهرت نوعاً من العجز الفعلي لدى حكوماتها في مواجهة التهديدات الإرهابية التي باتت تقض مضجع السياسيين الغربيين حتى في أحلامهم التي تحولت إلى كوابيس حقيقية.

العلاقات الفرنسية الروسية تميل إلى التقارب أكثر منه إلى التحالف، سيما بعد أن تبين مدى الجدية الحقيقية لدى الجانب الروسي في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه ووقف كل أشكال الدعم له، وتجلى ذلك بمواقف سياسية نتج عنها قرار لمجلس الأمن الدولي بمحاربة داعش، وحملات منظمة للطيران الروسي على مواقع وتحصينات التنظيمات الإرهابية في سورية، وقد أكدت القيادة الروسية ترحيبها بأية مبادرات جدية في محاربة الإرهاب في سورية شريطة التنسيق المسبق مع روسيا، وهذا الأمر حتمي سيما بعد نشر صواريخ “إس 400” ذات الفعالية العالية في حماية الأجواء السورية.

الخاسر الأساسي في هذه المعركة السلطان الأجوف أردوغان، الذي خطا خطوة قاتلة لمستقبله السياسي في محيط ينظر له بعداوة مفرطة نتيجة مواقفه وسياساته المضرة ببلده، وخاصةً عندما اتخذ قراره الغبي بإسقاط الطائرة الروسية القاذفة “سو 24” ضمن الأجواء السورية وقتل قائدها بطريقة وحشية. وهنا يجمع المحللون على أن قرار إسقاط الطائرة الروسية وما خلفه من تصريحات خلبية من قبل الحكومة التركية أثبت بأن أردوغان وعصابته في الحكومة التركية هي المتضرر الأساسي من القضاء على داعش وأخواتها على يد الجيشين العربي السوري والجيش الروسي الصديق، وانه سيدفع الثمن مضاعف نتيجة فعلته الخسيسة، وقد بدأ في ترطيب الأجواء بينه وبين روسيا ومحاولة التعبير عن ندمه وحزنه على إسقاط الطائرة الروسية، ولكن الندم الفعلي سيتم بعد تنفيذ العقوبات الروسية الرادعة بقوة لشيطنة أردوغان وشركائه في المعسكر المعادي لسورية ولروسيا.

ما يحققه الجيش العربي السوري من انجازات يومية وعلى كافة الجبهات بالتعاون مع الطيران الروسي الحليف، يؤكد بأنه الجهة الحصرية القادرة على تنفيذ خطة دولية واسعة في محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وإذا كانت الحكومات الأوربية جادة في حماية أمنها الوطني والمشاركة الفعلية في محاربة الإرهاب الدولي، عليها التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات والتنسيق الفعلي مع الجيش العربي السورية وقيادته السياسية..

 

محمد عبد الكريم مصطفى