مساحة حرة

أعداء الخجل!

الجنود الشهداء الذين هم الآن وإلى الأبد، يخدمون وطنهم، الذين نادتهم البلاد فأسرعوا، ووهبوا اثمن ما يمتلك المرء، يقول الشاعر: مسلم بن وليد: (يجود بالنفس إن ضنّ الجواد بها/ والجود بالنفس أسمى غاية الجود). الكثير من هؤلاء الكرماء لم يدفن بعد، ولم يحظَ بدفن كريم في هذه البلاد، كأن حالهم من حال دريد لحام في أحد مسرحياته، التي يقول فيها: “حتى قبر ما بيطلعلنا بهالوطن”.

من المؤكد أن القائمين على هذا الأمر، والذين يبخلون بتكاليف التعرف على جثامين الشهداء؛ وليس فقط من المؤكد أو من الثابت والواضح، بل من اليقين أنهم لا يستحون.

هؤلاء الرجالات عندما قضوا، لم يكونوا يتنزهون في شارع أبي رمانة بصحبة كلب، يمسكون به بسلسة فضية، ويشدون بها على مستقبلهم وطموحهم، ولم يكونوا “يشفّطون” بسياراتهم ذات النوافذ مظللة، كلما ازداد ثمنها وحجمها، ترتفع بوصلة تفاهتهم، لم يكونوا يلتقطون صور السيلفي على الأدراج المتحركة للمولات؛ إنهم عندما وهبوا ارواحهم، ما كانوا في تلك اللحظة، يرقصون على شاطئ وادي قنديل، ولم يكونوا يديرون كؤوس الراح في واحدة من بارات باب شرقي، أولئك الذين امتحنت سورية قلوبهم للتقوى، لم يكونوا يخوضون أولى تجاربهم في تصوير فيلم سخيف، ولم يظهروا يوما في المقاهي ذات النجوم الخمس، ليتشدقوا بتصوراتهم عن الأزمة؛ هؤلاء الذين تبخلون عليهم الآن بحفنة من المال لكي يعودوا ويرقدوا في مسقط رأسهم، هؤلاء عندما اقتحموا الرصاص وارتقوا، ما كانوا من الذين دفعوا رشى للتهرب من الخدمة، أو من الذين نهبوا البلد في السلم، وأداروا لها ظهورهم في الحرب، والنماذج “النيّرة” تلك لا تنتهي؛ النماذج “النيّرة” السابقة بعيدة كل البعد عن شهداء هذا الجيش، والذين قضوا لغاية معلومة ولأسباب محددة ومن أجل هدف واضح، وبناء على مشاعر قلة من الناس يمتلكونها عادة.

الغاية، الأسباب، الهدف، المشاعر؛ العناصر الأربعة السابقة، يبدو أنها غائبة عن اذهان المسئولين عن هذا الملف، وربّما لا نظلمهم إذا الحقناهم بزمرة النماذج المذكورة آنفا؛ ولكن هذا النموذج النيّر لديه ميزة إضافية ليست أنهم لا يستحون فقط، فهذا نعرفه جميعا، ويعرفونه هم، بل الميزة الزائدة عن ذلك، هي أنهم مثيرون للاشمئزاز!.

عشرات الملايين، وربما مئات؛ تلقى على مشاريع يأكلها الفساد، وأحيانا على مشاريع هي عبارة عن فساد محض؛ طرق وأسفلت تُنقب في الليل والنهار فقط من أجل السرقة، مؤتمرات ومهرجانات تكريم ومسرحيات، فقط بهدف “التنفيعة”، باصات فاخرة تقل مشجعي الأندية، وعشاق المعارض؛ ما أكرمكم في الملذات، وما أبخلكم عند الشدائد، هذا ببساطة هو النفاق؛ لإن الإخلاص فقط للفائدة، ليس إخلاصا.

ملاحظة: القارئ الذي قد يخطر في باله، أن هذا الموضوع لا يجب الحديث عنه، وقد يُضعف المعنويات، وغيره من مبررات السكوت عن الفساد، لهؤلاء نقول: توقفوا أنتم وأصحابكم عن تلك الممارسات، واتركوا لنا المعنويات فنحن أدرى بشعابها.

تمّام علي بركات