ثقافة وفن

(هنّ)… عن الحب والحرب وانتظار الغائب

” الحرب بتغيّر مفاهيم كتيرة .. وبتكشف أشياء مخباية جواتنا ما كنا منعرف إنو موجودة فينا .. وبيجوز منعرف.. بس مابدنا نشوف ..بس طلعت هيك الحرب .. مراية كبيرة .. أصفى من الميّ … هذه كلمة المخرج.. ما يجعلنا أمام عرض مسرحي يتناول الحرب الجائرة المستمرة منذ عدة سنوات على بلدنا سورية.

إيمان عودة, إنعام الدبس, رشا الزغبي, لبابة صقر, جوليت خوري.. نساء متشحات بالسواد بأعمار مختلفة يروين حكاية الوجع والألم السوري في زمن الحرب, يتحدثن عن القهر  وقسوة الغياب ومرارة الانتظار, هن يمثلن الشريحة العظمى من السوريات اللواتي أصرن على البقاء في سورية.

العرض حمل يوميات الوجع في الشارع عن الدمار والخراب وقسوة الذكريات, عن الأم التي فقدت ابنها وتقول: “أصابعو طويلة ورئيئة ما بيشبهو أصابعي ولا أصابع أبوه ياكل وياكل ومابيشبع, لأنو بالبيت مافي نئطة حليب ولا شي). ثم نجد المرأة المهجرة من بيتها تتحدث بكثير من الحزن والأسى عن بيتهما القديم وعن زوجها الذي غيبته الحرب: “هلأ حط راسي ع المخدة وأيدي بالمكان الفاضي بتذكر كيف كان يتنفس جنبي…, هاد البيت مو بيتنا ولا الفرشة فرشتنا ولا… “. والحبيبة التي مازالت تنتظر عودة حبيبها…

ثمة مقولة هامة أخرى يطرحها هذا العرض المسرحي عندما يتم التحدث عن قابيل وهابيل وأسطورة الدم, عن طهر وقداسة هذه البلاد بلاد الشام وقاسيون: (فيه قتل ابن آدم أخاه. وفي أسفله ولد ابراهيم… وفيه حمى الله كنيسة مريم وابنها من اليهود …) يتابعن الممثلات قائلات: هيك قال ابن عساكر بكتابو تاريخ مدينة دمشق. من بعد التحدث أيضا عما ورد من أحاديث في الكتب المقدسة. تقول إحدى الممثلات: ” على هذه الأرض وقعت أول جريمة في التاريخ وئت الأخ أتل أخوه , هون على سفح جبل قاسيون …” .

لغة العرض هنا تنتمي إلى اللغة الثالثة, تلك اللغة التي تزاوج بين الفصحى والمحكية, وهي أقرب إلى الجمهور. كان الديكور بسيطا وينتمي إلى المسرح الفقير الذي أسسه (بيتر بروك).. المسرح الفقير يعتمد على مقولة العرض وحكايته بالاعتماد على اشتغال الممثل على جسده وإيقاع صوته بعيدا عن البهرجة البصرية وهذا ما تلمسناه في عرض ( هن ). كذلك الموسيقى كانت بسيطة وتم الاعتماد على الدفوف التي تم توظيفها بشكل جيد من قبل الممثلات على الخشبة.

صرحت مؤلفة ومخرجة العرض (للبعث ميديا): آنا عكاش قائلة: لدي خمس حكايات والريح هي التي تنقل هذه الحكايات لأننا نفتتح العرض بحفيف الأشجار التي توشوش بعضها البعض حكاية إلى حكاية أخرى وبالتالي الأشجار لا تؤتمن على الأسرار فتنتقل الحكايا من شجرة إلى أخرى وهذا ما جسدته الممثلات الخمسة اللواتي كن ينقلن حكايتهن للجمهور، اعتمدت على ذلك بـ(الجوقة)، إضافة إلى رغبتنا في عرض حكايا ناس عرفناهم على الواقع عبر عرض صورهم بالإسقاط الضوئي وهم شخوص من ذاكرتنا الكثير منهم غاب عنا وافتقدناه، ولابد من أن يعرف بعض الجمهور بعض الصور التي عرضناها وسيعرف أنه لن يعد يراها أبداً…. . وأوجه تحية شكر إلى البعث ميديا

البعث ميديا || دمشق – أحمد عساف