ثقافة وفن

هو الحب

كتبت تناجيه وتستعجل عودته.. يا هذا الذي هو أنت.. هل أعلمك الصباح ما فعل الليل بي.. هل قابلك شوقي على أدراجك وباح.. هل أصابتك عدوايَ بالحنين.. قد لا تدري كيف انهال غيابك الطويل على روحي.. وكيف جففني السهر.. كيف احتدم فيّ طيفك وأشعل شمساً حارقة في انتصاف الظلام.. شمس أبقتني على رصيف النهار.. لقد لونني حبك وانتشر حمى تحت الجلد.. لا شيء يبرئني.. ولا ترياق يعطيني هدأة الياسمين..

أشتاقك فراشة النور التي تهيم حول روحي.. توقظ إحساسي وتشعلني شمعة وجد لا تنطفئ.. وشلال حنان راقص الدفقات لا ينضب لأنه ينبع من أعالي قلبك المتسامح.. من ذرا حبك الغامر.. لذا أبقيه متدفقاً هداراً، دعه يجتاحني فأغرق حيث لا شاطئ إلاك.. ولا سماء إلا سماءك.. ولا أفق إلا عينيك.. زمن طويل مرّ لم تحلّق روحي في فضائك.. لم أتوضأ بصوتك.. لم أستضيء بصباحك.. لم أتعمد بياسمينك.. لم تحتجزني عيناك إذ تكتشفني أختبئ في دمعتيك أكفكفها ببنفسج قلبي.. الليل ظل مطبقاً على روحي.. وشمسك لم تشرق عليّ..

إنها ضراوة الشوق وطغيان المحبة يوقدان جنوني وفرحي العارم بك.. أشعر أني أقفز فوق الساعات والثواني مسرعة إليك.. أعيش لحظاتي على وقع نبضي فأسبقه وأسبق الزمن الأرضي إلى زمن من ضوء ومسرات.. لاشيء يوقفني ولا تعب يهدني.. سأتأبط معي شمس الصباح وضجيج دمي..

أشعر الآن أني على حافة لقائك.. وأنك بين نبضة متسارعة وأخرى، ستخرج من وراء ستار البعد الحالك وتومي إليّ بابتسامتك الشذية، حيث يعبق النهار بطيبك الأنشودي الذي يطرز وجداني بالشوق والذكريات.

هكذا وفي كل مرة يتألق شوقها له فتفتح نافذة القلب المفضية إليه وترسل في سمائه اللازوردية يمامة من عشق وهوى، تحمّلها وجدياتها وأحلامها الندية، تطلقها في جناح من صفاء الروح وسجى اللوعة، تبتعد في فضائه الوسيع، لكن لا يعود منها إلا صدى من تمنّع يؤفل لهائب شوقها، ويذري الكلام على بلاط البرد، فتميل إلى شظاياه تلملمها في جعبة تتسع انكسارات المحبين كلهم، لكنها كما الفراش تعود دائما لإحراق أجنحتها على وهج مصباح الألم باللقيا يدفعها الحنين إليه أن تكرر حماقاتها، فتسرج صهيل اللهفة والكلام وتطلق لقلبها براريه الملونة بالأحلام فيثب مندفعا إليه غير آبه بالجبال والبحار وآداب الحديث، يتقافز مسكوناً بروعة الوصول وتألق الصعاب.. غير ملتفت إلى وعورة المسالك واحتدامات الاعتذار.

هذا هو الحب يأسرنا.. يقلب مفاهيمنا رأساً على عقب.. ينير سراديب عمرنا، ويمسح عن أرواحنا ما تراكم من صدأ الزمن وغباره فنرفع مرساتنا باتجاه شاطئه ونعيشه حقيقة مطلقة، دون أن نعلم كم مضى من الوقت ونحن تفتش عنه ونحلم به.. ويكبر هذا الحب ويتملك كياننا حتى يصبح إكسيرنا الذي يغذي روحنا، لكن الخيبة عندما نتوهم أن من نحب يبادلنا مشاعرنا نفسها، ويسعد لكل كلمة نقولها أو نكتبها، ويطالبنا بالمزيد منها، هذه الكلمات التي على ما يبدو ترضي الغرور فقط، وتُنسى بمجرد الانتهاء من قراءتها، فكيف يستطيع الإنسان أن يعيش الازدواجية في حياته ويدعي شيئاً لا يعيشه، وكم هو مؤلم أن يفني شخص ما عمره في بناء شخصيته ثقافياً وفكرياً، ونراه يعيش الحياة بمفاهيمها التقليدية، وحتى الحب الذي تحتاجه روحه يستحضره في أوقات الفراغ – ليؤكد لنفسه ربما- أن من تيمهم بحبه يوماً لازالوا أسرى هذا الحب..؟ّ!

البعث ميديا || جريدة البعث|| سلوى عباس