ثقافة وفن

“هيبة” مزعومة!

أعلنت أسرة مسلسل “الهيبة” مؤخراً بدء التحضير للجزء الثالث من العمل، الذي سيعرض في رمضان 2019.

ندرك أن من حق الفنان السوري البحث عن حضوره على الساحة الفنية في ظل الفرص المعروضة عليه، خاصة بعد التراجع الواضح لدرامانا على مدى سبع سنوات، إلا أن هذا لا يعني أبداً أن يصبح الحضور هو الهدف دون الاهتمام للقيمة الفنية التي يجسدها هذا الحضور للفن عموماً، وللمتلقي خصوصاً.

الطبيعي في أي عمل فني أن يسأل صناع العمل أنفسهم قبل الإقدام عليه؛ ما هي القيمة الفنية والإنسانية التي يمكن أن يقدمها؟..

لا يمكننا أن ننكر أن فكرة العمل “الهيبة” مشوقة ومختلفة وخارجة عن المألوف، ولا يستطيع أحد ألا يعترف بجماهيرية العمل واستحواذه على الحصة الأكبر من المتابعة ونسب المشاهدة، ولسنا بصدد أداء الممثلين، فالملفت أن المسلسل يضم نخبة من ألمع النجوم على الساحة الفنية وأسماء كبيرة يشهد لها تاريخها بالقدرة والنجاح، ولكن كل ذلك يمكن احتواؤه في جزء واحد، رغم التأكيد أن جوهر العمل لا يحمل قيمة يمكن تقديمها.

ما أستغربه هذا الإلحاح على تقديم وترسيخ منطق العنف والمشهدية الدموية في الدراما عموماً، وفي هذا العمل خصوصاً، وكأنها صارت الوضع الطبيعي لا الطارئ، والتمادي في الأمر حتى أننا بصدد جزء ثالث من المسلسل، وقد تدفع الأرباح شركة الإنتاج حتى تستولد الجزء الرابع والخامس و..، كما حصل في مسلسل “باب الحارة” الشهير، والحجة جاهزة “الجمهور يريد ذلك”.

العمل متابع وترك أثره الكبير في الشباب العربي، ولو نظرنا الى أغلب جماهير هذا العمل لوجدناهم من الشباب المأخوذين بمظاهر حمل السلاح والخروح على القانون وسلطة الدولة، والمفتونين بمنطق العشيرة والثأر والمؤامرات، والأدهى أن بطل العمل “جبل” المهرب والمتمرد على القانون وتاجر السلاح وأمور أخرى خطيرة، أصبح قدوة للشباب بتصرفاته وبطريقة كلامه وامتشاقه السلاح، وحتى تقليده بنبرة صوته..

فما هي العبرة من هذه المظاهر، وماذا نرسخ في عقولهم ووجدانهم.. وما هو الجيل المنتظر من هكذا متابعة؟!..

قد يكون هذا الواقع موجوداً بشكل أو بآخر، أو مأخوذاً عن قصة حقيقية.. وهذا يكفيه جزء واحد لا أن نكرس الظاهرة والطارىء بالتكرار حتى يصبح واقعاً، وحتى نستنسخ منه ومن شخوصه نسخاً كثيرة في الحقيقة..

باتت الدراما في الوقت الحاضر أداة تربوية فرضت نفسها بقوة في حياتنا، شئنا أم أبينا، وقناة تأثيرغاية في الأهمية، وعلى كتاب النصوص بالمقام الأول أن يعوا ذلك، كما أن المسؤولية منوطة أيضاً بشركات الإنتاج، ولا نغفل دور المشاركين بالعمل في ذلك..

المسؤولية ملقاة على عاتق الجميع؛ الجميع يتحمل هذه المسؤولية في بناء المجتمع وبناء جيله، وهو الأساس الذي يجب أن ينطلق منه أي عمل، وألا يكون العامل المادي هو الأساس، ولو كان ذلك على حساب المشاهد، الذي يجد نفسه مأخوذاً بالإبهار البصري للصورة حيناً، والتشويق وحب المغامرة أحياناً، دون أن يدرك الأثر السلبي الذي يتركه في نفسه..

النص هو الحامل الأساسي للعمل، ونحن أمام أزمة نص جيد ومعالجة درامية سليمة تعزز وعي المتلقي وتنهض بفكره، لا أن تربي فيه نوازع العنف وتكرسها بالتكرار الذي لا طائل منه..

 

هديل فيزو