الشريط الاخباريمساحة حرة

وإن غاب السوريون عن فيينا

كثيرة هي التعليقات التي تناولت لقاء فيينا الذي جمع نحو 17 دولة إلى جانب الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حول الوضع في سورية وتحدث البعض عن «غياب» السوريين أصحاب القضية عن اللقاء فيما حضر الأعداء وبعض الأصدقاء، لكن غاب عن هؤلاء أن لقاء فيينا هو أحد مخرجات لقاء القمة الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس بشار الأسد قبل أسبوع من انعقاده.

فلقاء فيينا لم يكن ليحصل لولا الصمود السوري على مدى أكثر من أربع سنوات ونصف من حرب ضروس حشدت فيها دول كبرى وأخرى إقليمية قوى تكفيرية ومرتزقة من نحو 100 دولة مستندة إلى بيت مال يفيض حقداً وكفراً في خليج النفط .. ولولا استبسال رجال الجيش العربي السوري وصمودهم الأسطوري في وجه هذه القوى المعادية مجتمعة، ما كان لهكذا لقاء أن يحصل ..

فلم يكن السوري عنوان اللقاء فقط، بل كان صانعه وموجهه في الاتجاه الذي يريد عبر أصدقائه وعبر مفاعيل الميدان السوري… مخرجات اللقاء هي الأخرى تؤكد ذلك، فما كانت تدعو إليه سورية من أولوية محاربة الإرهاب بدا واضحاً كبند رئيسي في اللقاء وجرى تحييد بقية البنود التي لطالما كانت عنوانا للحرب على سورية واستهداف قيادتها.

لقد لاحظ المتابعون أنه جرى «تغييب» أي تعبير أو إشارة عن مرحلة انتقالية تقودها هياكل انتقالية بصلاحيات كاملة جرى التعويل عليها في معسكر الأعداء لتحقيق أهدافهم ضد القيادة السورية، وهذا أمر في غاية الأهمية كونه يؤشر لتراجع وانكفاء دول العدوان على سورية.. إضافة إلى إقرارهم الصريح بحق السوريين دون غيرهم بقيادة العملية السياسية وتحديد مستقبل بلادهم وشكل الحكم والدستور.

لقاء فيينا فتح باب الحديث بشكل جدي عن توسيع قائمة التنظيمات الإرهابية التي تقاتل الدولة السورية والتي ينبغي محاربتها حيث قام الجانب الروسي بتقديم قائمة بأسماء منظمات إرهابية، وجرى الاتفاق على ضرورة تعريف «المعارضة المعتدلة» بحيث لا تبقى عنواناً مطاطاً تنضوي تحته تنظيمات اشد إرهاباً من تنظيم القاعدة سيئ الصيت.

قد يتحدث البعض عن التصريحات «النشاز» التي خرجت بعد اللقاء من وزيري خارجية فرنسا والسعودية حول المرحلة الانتقالية ومدتها ودور الرئيس الأسد، لتبديد ايجابيات لقاء فيينا والتأكيد على أن مواقف الدول المعادية لسورية مازالت كما هي .. وهذا فيه شيء من الصواب، لكن بالمقابل من لا يرى التراجع والرضوخ السعودي الفرنسي حيال مشاركة إيران في اللقاء أولاً واضطرارهما للقبول بصيغ كانت تعتبر محرمات بالنسبة لهم ليس بمقدوره تحليل الموقف بشكل موضوعي.

ومما لاشك فيه أن مسار فيينا يسير بالتوازي مع مسار العمليات العسكرية في الميدان السوري وكلما اشتد الاشتباك على المسار السياسي سيتفجر الاشتباك في الميدان، فهذه من طبيعة التفاوض بالنار، ولاسيما أن هذه النار على الأرض السورية.. المتضرر الوحيد منها هو الشعب السوري.. لذلك سنرى تصعيداً هنا وفتح جبهات هناك .. وعلينا أن نراقب المشهد العام دون الغرق في تفاصيل يراد منها أن تغطي سياق المشهد.

صحيح أن الأمريكي يريد أن يشاغب على التنسيق السوري الروسي في العمليات المشتركة ضد الإرهاب الدولي في سورية، وصحيح أن واشنطن تريد أن تحتفظ لنفسها بمساحة تحرك في الميدان السوري عبر جماعات مسلحة تطلق عليها اسم «معتدلة»، وهي في هذا المجال أعلنت عن إرسال نحو 50 عنصراً من القوات الخاصة لتدريب وتنسيق عمليات تلك الجماعات ضد داعش حسب ما تدعي، لكن الثابت أن واشنطن لم تفلح سابقاً في أي خطوة اتخذتها في سورية من تدريب «معارضة معتدلة» إلى قيادة «تحالف» ضد داعش، لذلك هي لن تفلح في عرقلة العمليات السورية الروسية ضد الإرهاب.

ويقول متابعون أن من يملك فتح جبهات واسعة بعد نحو أربع سنوات ونصف من حرب مفتوحة بمساحات تتجاوز مئات الكيلومترات وفي مناطق متباعدة – المقصود هنا الجيش العربي السوري- ويحقق فيها انتصارات سريعة، لاشك قادر على التكيف مع كل مستجد ميداني وقادر على التعامل معه بكفاءة عالية ولاسيما مع توفر الدعم والمشاركة من الروس والإيرانيين والمقاومة اللبنانية.

فالمشاركة الروسية لم تكن وليدة لحظة «ضعف سورية» كما يروق للبعض أن يصورها، وليست رد فعل ارتجالي، بل هي تنفيذ لخطة مفصلة ذات أهداف وأبعاد إستراتيجية ترتبط بمحاربة الإرهاب الدولي الذي يشكل تهديداً للأمن القومي الروسي كما هو بالنسبة للأمن السوري. وقد ظهر جلياً أن التنسيق الميداني والعمليات الجوية قادرة على تحقيق انجازات نوعية تفرض واقعها اليوم على التنظيمات الإرهابية ومن يقف وراءهم.

ولابد من التذكير هنا بتصريحات بعض المسؤولين العسكريين الأمريكيين الذين قالوا أنهم باتوا يبحثون عن مجال وزمان كي تحلق فيه طائراتهم الحربية في الأجواء السورية .. فقد تقلصت هذه المساحة مع مباشرة العمليات الجوية الروسية في سورية وتكاد تنعدم يوماً بعد يوم.. فمن يسمع منكم اليوم بعمليات للحلف الأمريكي في الأجواء السورية؟!! وسوف لن تسمعوا الكثير.. لأن الأجواء السورية تملكها فقط الطائرات السورية والروسية… لذلك نقول .. وإن غاب السوريون عن لقاء فيينا، فهم صانعوه.

 

عبد الرحيم أحمد