اخترنا لك

واشنطـن تنصـب فخاً للقاهـرة مـن بوابــة الـرياض

أنهت القمة التشاورية لمجلس التعاون الخليجي همروجة الخلاف البيني. وأعيد سفراء الرياض وأبو ظبي والمنامة إلى الدوحة، في مقتضى «الاتفاق التكميلي» الصادر عن القمة في 18/11/2014.

المسارعة إلى هذه الإجراءات أعقبت حال الركود في أداء المجلس التي كانت جلية بإعلان الدوحة تأجيل القمة السنوية «إلى أجل غير مسمى».

الآن باتت القمة الخليجية ممكنة. وفي موعدها في الدوحة، وفي ظلال «الاتفاق التكميلي».

من أين استمد الخليجيون هذه الجرعة المضافة من النشاط؟

الإجابة موصولة بمسارعة ملك الرياض إلى مناشدة الرئيس المصري في 19/11 المساعدة في إنجاح «الاتفاق التكميلي».

للوهلة الأولى، فإن هذه المسارعة مثيرة للدهشة!. إذ ما صلة مصر بـ«الاتفاق التكميلي» 2014 لاتفاق خرقته الدوحة، كان أبرم في 23/11/2013.

هنا بيت القصيد.

إذ إن واشنطن التي تخوض غمار معركة متعددة الجوانب لإجهاض ثورة 30/6/2013، وحرمانها من استكمال «خريطة المستقبل» بانتخاب مجلس شعب جديد، أصدرت الأمر اليومي لمملكة بني سعود ومن يدور في فلكها، كي تضاعف الجهد لتخديم ما تطمع فيه حيال مصر.

وليس في وسع الرياض إلا أن تستجيب للأمر اليومي الأمريكي، كائنا ما كان حجم الفضيحة في تظهير بدائية الاستجابة الخليجية، المعبرة عن البدائية في كيفية صنع القرار.

التفخيخ في مناشدة الملك للرئيس المصري، يتضح من الغلالة الشفافة التي تحاول الرياض بها أن تحجب تخديمها لسياسة واشنطن.

يعلل الملك مناشدة مصر المساعدة، بهدف متوخى مشترك، هو «ما فيه مصلحة العرب والمسلمين».

وهذا هدف جليل لا يملك رئيس مصر إلا أن يستجيب له.

ولكن العمومية في صياغة هذا الهدف، لا تخفي الغرض الخبيث المتضمن في افتقاره إلى التعيين.

إذ إن هذه التعلة (مصلحة العرب والمسلمين)، تفتقر إلى رسم الإحداثيات المحددة الموجبة للنهوض بمهمة جليلة كهذه.

وبدلالة سوابق الرياض في رفع راية (مصلحة العرب والمسلمين) لتخديم الأجندة الأمريكية، نتبين أن تخطي الإحداثيات المحددة، مقصود لستر العار في الانقياد إلى تنفيذ أمر العمليات الأمريكي، انقيادا كاريكاتوريا.

من هذه السوابق، انفراد مملكة بني سعود والإمارات المتحدة وباكستان ثلاثتها، من دون سائر دول العالم، بإقامة علاقة دبلوماسية مع نظام حركة «طالبان» في أفغانستان، تلبية لحاجة واشنطن في أن يتسيّد الإسلام السياسي ذلك البلد المنكوب بالإرهاب.

وكانت تعلة الرياض في تبادل السفراء مع كابول، هي «مصلحة العرب والمسلمين».

أما بعد أحداث 11/9/2001 في الولايات المتحدة، ونشوء منعطف في علاقة واشنطن بحركة طالبان، فلم تملك الرياض (ومعها أبو ظبي وإسلام آباد) إلا أن تستجيب لأمر العمليات الأمريكي الطارئ، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كابول. وقد قطعت الدول ثلاثتها هذه العلاقات فورا «لما فيه مصلحة العرب والمسلمين»!.

والكاريكاتور لا ينحصر فحسب في هذه التكويعة، بل في كيفية صنع القرار في الرياض.

في القراءة المقارنة لمنحوتة (مصلحة العرب والمسلمين) التي تستخدمها المملكة «كلما دق الكوز بالجرة»، نتبين أن القرارات المستقلة للرياض عن واشنطن، إنما تبرم لأسباب مزاجية مقطوعة الصلة بآليات صنع القرار المألوفة لدى دول أخرى في هذا العالم.

فهذه المملكة تبرم القرارات السيادية للدولة لدواع شخصية ولحظية مقطوعة الصلة بالسياسة، كما في القرار الذي أبرمه الملك 2012 بسحب السفير من مصر وإغلاق السفارة في القاهرة والقنصلية في الإسماعيلية، بسبب استخدام متظاهرين مصريين مقولة «طز في الذات الملكية»، وكتابتها بخط عريض على جدران السفارة.

المتظاهرون كانوا يحتجون على اختطاف المملكة للمحامي المصري أحمد الجيزاوي، لكونه وكيلا في محكمة جنوب القاهرة عن حشد من العاملين المصريين في المملكة ادعوا بالغبن الذي لحق بهم، وطالبوا بالإنصاف.

وهذه «جريمة»، حسب «اللوائح» المعمول بها في المملكة، تستوجب العقاب!. وهي جريمة مصنفة في باب إهانة الذات الملكية؛ صاحبة التفويض في تقدير «مصلحة العرب والمسلمين»!.

ثمة خنّاس، من ذوي الحصانة الدبلوماسية في سفارة الرياض في القاهرة، وَسْوَس في صدر المحامي الجيزاوي لتأدية العمرة. ولدى وصوله جدة برفقة حرمه ألقي القبض عليه بتهم ملفقة، وابتدأت مأساته «لما فيه مصلحة العرب والمسلمين»(!!!).

أما حرم الجيزاوي فقد عادت من دون عمرة، وروت ما حدث لمجلة الشباب في «الأهرام»، فانفجر غضب المصريين، هاتفين: «طز في الذات الملكية». وبقية القصة معروفة. وهي جرح في كرامة مصر، لما يزل مفتوحاً.

وما يجب استخلاصه هنا أن شعار «مصلحة العرب والمسلمين» تستخدمه المملكة لستر ارتهانها لواشنطن أساساً، ولتغطية اعتداءاتها الوحشية على مصلحة العرب والمسلمين، في مطلق الأحوال.

أما الولايات المتحدة، فهي ذات غرض كامن في صلب مناشدة الملك لمصر، كي تساعد في إنجاح «الاتفاق التكميلي».

ليست هناك نصوص محددة معلنة للاتفاقين: الأصلي 2013 والتكميلي 2014.

وليس المراقب في حاجة إلى ويكيليكس وسنودن، ليتبين حجم الخيبة التي منيت بها واشنطن نتيجة انهيار سلطة الإخوان المسلمين في مصر بعد ثورة 30/6/2013. الوزيرة كلينتون عبرت عن صدمتها من سقوط الرهان على إقامة «خلافة إسلامية» في سيناء، ومن تراكم النذر على طريق خيبة الهجمة الإمبريالية المنقبة بالإسلام السياسي على وطن العرب.

نظرا لثقل مصر في الإقليم والعالم، قضى أمر العمليات الأمريكي بأن يحتوي الخليجيون توجه مصر المستقل، بالتزامن مع مواصلة ضخ المال والسلاح إلى الإرهابيين، في سيناء وأربع رياح الديار المصرية.

وهكذا دخلت واشنطن والقاهرة في سباق مع الزمن. رسمت واشنطن حساباتها على أساس أن السبق المصري يتحقق في استكمال «خريطة المستقبل»، وآخر حلقاتها انتخاب مجلس الشعب الجديد، بعد الدستور والرئاسة، وإطلاق عملية التنمية المتوازنة المؤسِّسة للإفلات من الارتهان لإرادة واشنطن وأتباعها في الخليج.

فإذا استقرت مصر وأمِنَت، يبدأ انفراط عقد الإسلام السياسي في سورية والعراق وليبيا. وتبدأ واشنطن مواجهة خسائر متتالية بالنقاط.

وهنا محتوى الاتفاق التكميلي 2014، المتطلع إلى إنجاح الاتفاق الخليجي الأصلي 2013، أي إعادة رسم السياسة الخليجية في اتجاه احتواء مصر، بالإعلام والمال السياسي، حتى مع الاحتفاظ بهامش حركة على صعيد تمويل الإخوان المسلمين وتسليحهم.

وفي العمق ينصرف الاتفاق التكميلي إلى ما يتجاوز مصالحة مصرية – قطرية إلى مصالحة مع الإخوان المسلمين في مصر، تعيد تأهيلهم، عبر منظمات مجتمع مدني، وبما يفضي إلى تجويف «خريطة المستقبل» والالتفاف عليها.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة بورسعيد، د. جمال زهران أخبر فضائية «دريم» في 19/11: «لن تنجح المبادرة. وقطر لن تلتزم. لأنها تنفذ إستراتيجية دولة كبرى، هي الولايات المتحدة، لعرقلة توجه مصر شرقا».

وكما قال مواطن من المنصورة (د. سيد) لـ «دريم»، اليوم نفسه: «المسألة أكبر من قطر. وهي ليست خناقة بين شخصين».

يعزز هذا الرأي وجود «الجنرال» محمد علي العطية (وزير دفاع قطر) و«الجنرال» متعب بن عبد الله (رئيس الحرس الوطني في مملكة بني سعود) اليوم نفسه 19/11، في البنتاغون. لماذا؟ لترتيب إجراءات «مصلحة العرب والمسلمين»!.

وما سيجري يوم غد 28/11/2014، امتحان لكل من مصر ولعدوها. إنه أساسا امتحان للإسلام السياسي في استنساخ صناعة التلفيق التي ابتكرها في سورية، برفع المصاحف في يد، وسلاح الغيلة في اليد الأخرى، تصديقا لمقولة الإمام علي: «كلمة حق يراد بها باطل».

ثم إنه امتحان للوحدة الوطنية المصرية، بالحزم على طريق «خريطة المستقبل» الذي لا رجعة عنه، إلا إذا نجحت واشنطن، من بوابة الرياض، في تفخيخ مستقبل مصر «لمصلحة العرب والمسلمين»!.

 

صحيفة تشرين – علي الصيوان