والدة الشهيد البطل “مجد رزوق”.. مثال للإمرأة السورية المناضلة
برهبة وخشوع يلج المرء إلى ذكريات أم الشهيد فكل الخوف ان يلامس دون حذر ركنا قصيا من ذاكرة أطبق عليها الفقد واللوعة فيمزق ما تبقى من شغاف قلب نازف أو يهز في الروح شوقا بالكاد يهدأ لكنها قدسية الشهادة تلك التي تدفع الى تقصي التفاصيل التي صاغت سنوات طفولة وشباب قبل أن تدق ساعة البذل والتضحية مؤذنة بارتقاء شهيد جديد من شباب سورية المزهر.
واحدة من أجمل الأمهات في سورية هي المدرسة كفا كنعان والدة الشهيد البطل مجد رزوق الذي استشهد في كلية المشاة بحلب في الثاني عشر من كانون الأول 2012 حيث تروي هنا شذرات من حياة ابنها الشهيد قبل الرحيل المقدس مشيرة الى ان علاقة مميزة كانت تربطها بـ مجد وهو ابنها البكر فقد كانت له أم في البيت ومعلمة في المدرسة ومربية خلال مراحل حياته وصديقة وفية في اوقات الشدة وشريكة في العمل الوطني يوم اندلعت الاحداث في سورية قبل ثلاثة أعوام.
وقالت السيدة كفا لنشرة سانا الشبابية : “ربيت مجد على حب الوطن وتقديس ترابه حتى آخر ذرة وكان في هذا تلميذا نجيبا تتفاعل في وجدانه كل القيم والمفاهيم والمشاعر الوطنية السامية فما إن انطلقت شرارة التخريب في سورية حتى انضممت وإياه الى قوافل المتطوعين من عموم الفعاليات الشعبية التي راحت تبرهن حضورها الفاعل على أرض الميدان فكنا نذهب سوية لزيارة حواجز الجيش العربي السوري ونشارك في تأبين الشهداء الذين يرتقون يوميا بالاضافة الى مختلف الأنشطة الوطنية الأخرى”.
وأضافت السيدة كفا: ” لم تكن علاقتي بـ مجد مجرد صلة تربط الأم بابنها.. لقد كنت صديقته الحميمة وبئر أسراره ومصب بوحه اليومي.. كنت أشعر برفقته إنني صبية في بداية العشرينات اركض واياه لنلحق ركب المسيرات المكتظة وكانت عيناه تبحث عني طوال الوقت كي لا اضيع عنه في الزحام .. لم يكن مجد ابني البكر وحسب بل كان رفيق كل اللحظات الجميلة”.
واوضحت انها حاولت اقناع ابنها بخدمة وطنه بالعلم والقلم كونه حقق مراتب متقدمة في دراسته ووصل الى المرحلة النهائية لكنه رفض مصرا على ما عقد عليه العزم نظرا للظروف الصعبة التي تمر بها البلد فكانت اول ليلة ينام فيها مجد خارج المنزل هي ليلة التحاقه بالخدمة العسكرية الإلزامية حيث جاء فرزه في كلية المشاة في حلب والتي ما لبثت ان حوصرت من قبل العصابات الإرهابية.
وتابعت أم الشهيد: “كانت الأوضاع صعبة فالكلية محاصرة بكل من فيها من الجنود البواسل وبينهم مجد الذي كنت اتصل به يوميا لاطمئن عليه فالجميع حولي يتحدث عن الاوضاع هناك فيفاجئني بقوله ان الأمور جيدة وان ما يذاع من اخبار حول الحصار هو محض اشاعات وكنت اصدقه غير مدركة انه يدعي هذا الامر كي لا يثير خوفي عليه” واضافت .. ” بعد برهة من الوقت اتصل مجد بي قبل استشهاده بثلاثة أيام ليعترف للمرة الأولى انه ورفاقه محاصرون.. كان صوته مختلفا وهو يخبرني ان المسلحين يتمترسون حول الكلية ويضيقون الخناق عليهم لكنه ما لبث ان اكد لي ان روحهم المعنوية عالية جدا وايمانهم بالنصر راسخ ولذلك فهم يعدون العدة للمواجهة والاستبسال حتى اخر نقطة دم”.
وبعد لحظات من الصمت المطبق رفعت الأم رأسها قائلة: “قطع مجد وعدا لي انه سيعود لكنه لم يفعل .. لم يعد مجد ولم احظ بفرحة عناقه لكن رجولته كانت مثار أحاديث رفاقه يوم زفوا خبره الي فحدثوني عن بطولاته التي تواصلت حتى آخر رصاصة وهو ما جعل صديقه يأخذ بندقيته لحظة استشهاده ليتابع الرمي ببندقيتين في الوقت نفسه فهذه الأخبار كانت منبع فخر وزهو شعرت بهما منذ تلك اللحظة”.
استشهد مجد فأثبت كما اكدت أجمل الامهات ان عمرها المنصرم لم يضع سدى وان اللحظات الجميلة التي قضتها ترضع هذا الشبل قيم النبل والشهامة وحب الوطن وحفظ أرضه وكرامته اثمرت اليوم سفرا من البطولات ومرتبة مقدسة لا تعلوها مكانة في الدين والدنيا ومنحتها اللقب الأشرف فهي اليوم أم الشهيد.
ودفن مجد ضمن حرم الكلية لكن والدته أقامت عرسا وطنيا له استمر سبعة أيام في مسقط رأسه في اللاذقية فهو كما قالت والدموع تنهال من عينيها عريس الوطن وأجمل رجاله واشجع فرسانه رغم انه نكث بعهده لي لكنه ابدا لم ينكث بالوعد الذي قطعه على نفسه امام جثامين الشهداء الذين سبقوه الى سدة الخلود وأمام تراب سورية الأغلى والاثمن وهو يتخضب كل يوم بدماء شبابها الميامين.