مساحة حرة

وتستمر إدارة التعطيل!

قال السفير الروسي في لبنان “الكسندر زاسبيكن” في حديث تلفزيوني: “أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل مسؤولية تعطيل وعرقلة الحل السياسي للأزمة في سورية، مؤكداً على ضرورة توحيد كل الجهود للقضاء على الإرهاب في سورية، وأن استخدام الأمريكيين مزاعم “محاربة الإرهاب” هو للبقاء في سورية، سيما وأن تواجد الإرهابيين يتركز في مناطق وجود القوات الأمريكية…”. وعندما يتحدث دبلوماسي روسي عن الدور الذي تؤديه القوات الأمريكية على الأراضي السورية أو في أي مكان آخر، فهو ينطلق من وقائع مثبتة غير قابلة للتأويل في اتجاهٍ آخر، فبالرغم من محاولات عديدة قامت بها القوات الأمريكية في الشمال السوري لفرض واقع جديد يتسم بخلق كنتونات ذات صبغة استقلالية معينة وفصلها عن الدولة الأم سورية، باءت جميعها بالفشل لانعدام المقومات الأساسية لاستمراريتها وبقائها في الوجود من جهة، وعدم ثقة الأدوات الذين تستخدمهم أمريكا بمواصلة دعمها الدائم لهم مستقبلا من جهة أخرى.

على مدى سبع سنوات ونيف تمكن الجيش العربي السوري وحلفائه من كسر هيبة القوات الأمريكية وأدواتها في المنطقة في حرب مركبة ومعقدة حشدت لها أمريكا أضخم منظومة إعلامية وحثالة القوى البشرية على وجه الأرض مدعومة بأكبر كتلة مادية ممكنة، لكن حكمة القيادة في سورية وشجاعة وبسالة القوات المسلحة السورية غيرت قواعد المعركة وانتزعت وهم قوة أمريكا الوحيدة من التداول في أقبية السياسة الدولية، وأصبح قرار القيادة العسكرية السورية والحلفاء هو النافذ على الجغرافية السورية بكل مساحتها، وما أجندة المصالحات الوطنية الواسعة التي تحققت في عامي 2017 – 2018 وفرز العناصر الإرهابية وعزلها عن مناطقها، إلا صورة واضحة عن إرادة التحرير التي فرضتها القيادة السورية وشركائها، ضاربين بعرض الحائط وهم القوة السياسية والعسكرية لمحور الأعداء الذي تقوده أمريكا.

في السابع والعشرين من تشرين الأول الماضي حققت الدبلوماسية الروسية اختراقاً سياسياً كبيراً على الساحة الدولية وفي قلب محور الأعداء، وذلك باستقطاب أهم دولتين في المحور الأمريكي الذي دعم الإرهاب وقدم له كل مسببات الحياة من اللحظات الأولى لانطلاقة الحرب على سورية، وهما وفرنسا وألمانيا الذين انضمتا للاجتماع الرباعي في اسطنبول في خطوة لتعزيز دور منصة أستانة، وهذا ما أقلق الإدارة الأمريكية التي تستمر في تعطيل أية مبادرة لحل الأزمة السورية سياسياً وفق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وخاصة القرار 2254، وربما كان لهذا القرار الأوروبي الخارج عن الإرادة الأمريكية في خطوته هذه دور في تسخين الشارع الفرنسي والأوروبي عموماً.

وهناك جهود حقيقية تبذل لعقد لقاء قمة رباعي جديد يضم كل من فرنسا وألمانيا وروسيا وتركيا لكن هذه المرة خارج تركيا لاستكمال مباحثات اسطنبول وإيجاد وسائل جدية لإنهاء الأزمة السورية سياسياً وعودة المهجرين السوريين إلى ديارهم تحت رعاية الأمم المتحدة، بعد أن عادت الحياة الطبيعية إلى أغلب المناطق السورية، ويتم تأمين الخدمات العامة بشكل متسارع لهذه المناطق.

اجتماع أستانة الأخير بالرغم من فشله في إلزام تركيا بالوفاء بالتزاماتها التي حددها اتفاق سوتشي حول إدلب، قدم رؤية موضوعية بجوانب أخرى وخاصة لجهة التأكيد من قبل الدول الضامنة على ضرورة فصل التنظيمات الإرهابية المتنوعة المشاركة في منصة أستانة عن ” جبهة النصرة، وداعش “، إضافة إلى توجيه الانتقادات من الجانب التركي لدعوة المبعوث الأمريكي ” جيمس جيفري ” إلى إنهاء مساري أستانة وسوتشي حول تسوية الأزمة السورية،  وتجاهل المطالب الأمريكية حول اللجنة الدستورية التي جاءت على لسان الموفد الدولي ” ديمستورا “، وكان الأهم في هذا الاجتماع تأكيدات السفير بشار الجعفري على الدور التركي المخادع، حيث كشف قيام الجنود الأتراك بتغيير أسماء المناطق التي يُسيطرون عليها، ومحاولة النظام التركي إطالة وقت التفاوض لصالح الإرهابيين، مؤكداً أن اتفاق سوتشي محدد بمدد زمنية محددة، وفي حال نكثت انقرة بواجباتها في مناطق إدلب لانجاز الحل سياسياً، فإن تحرير إدلب سيتم بوسائل أخرى…

في الواقع دخلت مرحلة إظهار الحل السياسي للأزمة السورية مرحلة متقدمة جداً وقريبة من الحلقة الأخيرة، وفق ما هو مخطط له من قبل القيادة السياسية والعسكرية السورية والحلفاء، وعلى الرغم من خطورة الحلقة الأخيرة بما يُمكن أن تحمله من فوضى وهيجان القطعان، فإن القيادة السورية تضع في حساباتها جميع الاحتمالات، وتسير بخطى ثابتة نحو تنفيذ الأجندة الوطنية بمسؤولية واقتدار سواء على الساحة الداخلية وما تضمنته من تغيرات، أو على الساحة الدولية وما تتطلبه من إعادة تنظيم العلاقات والدور الإقليمي والدولي…

 

 

محمد عبد الكريم مصطفى

Email: Mohamad.a.mustafa@Gmail.com