مساحة حرة

وفي العام السابع قامت سـوريـة.. حقـاً قامت!

 

وفي العام السابع قامت سورية.. العام السابع من الصمود والتحدي بالتأكيد، ولاشيء غيرهما. وهو ما يشي به، على الأقل، الانقلاب الكامل في موازين الحرب، وعلى مختلف الجوانب والمستويات. ففي مثل هذه الأيام، في العام 2011، أطلقت أبشع هجمة عرفها التاريخ الحديث ضد بلد ومجتمع ونظام سياسي بهدف إركاع وطن وإخضاع شعب وتقويض دولة جريرتها الوحيدة أنها ترفض التبعية وتتمسّك بالاستقلال. وفي هذه الأيام أيضاً يقيض لسورية أن تسجّل أمثولة في المقاومة والكرامة والانتصار.

ولأن النهايات عادة ما تتأسس على التوسّل الافتراضي للبدايات، في مؤشّر على الإفلاس والتخبّط والضياع، ها نحن نشهد العودة السافرة للإرهاب، وأيضاً للغة السياسية الجوفاء إلا من العمالة والارتهان، وها هم الداعمون والممولون، مجدداً، في النقطة الصفر من إعلان الحرب والمباشرة بالعدوان.

أمنياً، هناك موجة جديدة، وأخيرة، من التفجيرات الانتحارية التي لن توصل أية رسالة إلا القناعة بأن الإرهاب يلفظ أنفاسه ويجرّب آخر ما في جعبته الآن، وأن جوقة الداعمين تختبر، مرة أخرى، مرارة التضارب والتصارع بين الأولويات، فإن كان هناك من يريدها موجة إجرامية مشحونة بكل رموز ودلالات سنوات ست مضت من ثقل الفظائع والإجرام، فإن هناك من بدأ يتلمس رأسه لهول ارتداداتها المأساوية على أمنه الخاص. ينطبق ذلك بالتحديد على مملكة آل سعود، التي ترفض الإذعان للحقائق على الأرض، معاودة العمل على تجميع أوراق الرعب، ومستمدة من تراجع الدور، وتقبّل ترامب – أخيراً – استقبال ولي ولي العهد على مائدة الغداء، لإعادة الإمساك بفلول معارضة متهالكة عانت طويلاً من التفسّخ والاهتراء، كما ينطبق بالتوازي على أردوغان ذاته الذي يتحسس ثقل “مجرّات إرهابية”، وأكبر من أي تعداد، بدأت الخروج عن الطوع، وهي لا تستطيع مجاراته إلى نهاية خياراته السياسية المتقلّبة والمتلوّنة بلا انقطاع.

عملياً، نحن في مواجهة إرهابيين بالطبيعة بات يتعيّن عليهم الانتقال إلى التعاطي مع العملية السياسية والأمنية بمفهومهما التفاوضي، ولكن كل ما لديهم هو مجرد الارتزاق بالمال وتلقي الأوامر وتنفيذ الأجندات. والنتيجة الماثلة اليوم هي معارضة مأزومة، مشتتة المنصّات، متضاربة الولاءات، ساقطة أخلاقياً، قرارها للأجنبي، ومرشّحة في أقرب وقت لأبشع أشكال التحلل والتفسّخ والذوبان، ولم تعد قادرة على استثمار أي إرهاب.

إنها النقطة الصفر في الحرب، والمربع الأول في الصراع.. تفجيرات إرهابية تطال المدنيين في سياق العجز عن المواجهة في السياسة والميدان، وشتات من أصحاب السوابق الذين تحوّلوا بغمضة عين إلى رجالات “ثورة”، وجمهرة من الأفاقين الذين يحاولون التكسّب الشخصي من خلال امتطاء صهوة العمل العام. والمأزق هو ذاته منذ سنوات: أذرع إرهابية لا أهداف ولا مطالب محددة لها، وأجنحة مسماة سياسية لا أهلية قيادية لها وسط جماعاتها، ولا وزن لها، ولا آمرية في الميدان.. وكل ذلك يتفجّر اليوم على شكل فقاعات صغيرة، تارة في جنيف، وتارة في أستانا، وبين تمثيل يفترض أنه معتمّد وآخر خاضع للتناوب والاستبدال، لتقف اليوم في مواجهة الاستعصاء الأزلي الذي لم يتجاوز بها حالة التكالب على الحظوة، والسطو المتبادل على الكراسي والمقاعد ومايكروفونات المنتديات المؤتمرات.

لن تستطيع سلسلة تفجيرات متأخّرة وجبانة، وخارج سياق الانتصارات، أن تحوّل مجرى صراع. وليس بوسع أحد أن يغيّر قناعة الشعب السوري بأن المشهد القاتم والأسود في طريقه إلى التلاشي والزوال، وأن ما ألصق به كـ “معارضة”، إرهابية كانت أم منصّات، هي اليوم في طريق الأفول، وأن سورية 2017 هي سورية بداية الخروج من النفق، ونهاية الأزمة، بقيادة الرئيس الأسد صانع المرحلة الثالثة من الاستقلال.

سبع سنوات نظّفت فيها سورية غسيلها القذر، وليس عليها بعد الآن إلا أن تجتاز مطهر إعادة البناء المجتمعي والأخلاقي والوطني، والسياسي أيضاً، على أسس من المواطنة السليمة، وسيادة القانون، ومكافحة إرهاب آخر لا يقل بشاعة، والممثّل بالفساد.

سورية قامت.. حقاً قامت.. إنها بداية التعافي وبلسمة الجراح.

بسام هاشم