ثقافة وفن

”حيتان التمثيل”.. بحرهم سوري .. ولكن!

لم تحتل الدراما السورية تلك المكانة عبثاً أو كيفما كان، بل جاءت نتيجة مواهب حقة وجهد كبير وتراكم ثقافي لا يستهان به. فبعد أن سبقت الدراما السورية مثيلاتها لاسيما المصرية لأسباب عديدة، أصبح هناك خوف على درامانا من تراجع هنا أو تلكؤ هناك، لتتزاحم المسؤوليات وربما المخاوف على عاتق القيمين للحفاظ عليها. وتتفاوت أسباب هذا الخوف ليشمل العملية الإنتاجية برمتها ومخلفات الحرب على هذه الصناعة.

يرى المخرج السوري محمد وقاف، في حديث مطوّل مع “البعث ميديا” حول هذا الخصوص، أن هناك خوف على درامانا فهي تحتاج منذ البدء وحتى الآن لجهة منظمة توجه موضوع الإنتاج، فالدراما التي نهضت على ملل المشاهد العربي من تكرار الدراما المصرية، بدأت تعاني من النمطية والتكرار، مؤكداً أن المشاهد بحاجة للتجديد دوماً. وأضاف وقاف أن أبرز ما يعانيه القطاع العام هو مشكلة التوزيع التي معظمها يتم من تحت الطاولة، حسب تعبيره، فالقطاع العام لا يستطيع أن يبازر بينما الخاص أجرأ على الدفع، فلا بد من بند يمكّن القطاع العام أن يسوّق بنفسه وأن يترك هامش ما للمناورة لإمكانية إتمام عملية التوزيع، فهذا هو الأساس.

وأشار وقاف إلى غنى كوادرنا الفنية ومواهبنا التمثيلية، وأنه رغم خروج عدد كبير من الفنيين والممثلين خارج البلاد لأسباب عديدة، أكد وقاف أنهم استمروا بالعمل وبالتالي هناك أعمال سورية تُنتج في الخارج محافظين على هويتهم السورية، فالسوري موجود بلهجته وشكله فهو سفير سوريا في أي عمل عربي يشارك فيه، حسب وصفه. وأكد وقاف أن أساس أي عمل درامي هو النص، مضيفاً أنه وفي بداية الأزمة السورية شعر الكتّاب بالتخبط فيما يكتبون وفيما إذا كان سينشر، مضيفاً أننا بحاجة لعقول ولمفكرين، فـ”هوليوود” ليست من كاتب يعمل عبثاً، حسب قوله، بل تدخل فيها الأجهزة الأمنية والمفكرين والعلماء الذين يطرحون حلول ورؤياهم، فلماذا لا نواكب التوجه السوري الوطني ونكتب كيف ستصبح سورية وكيف ستعود في المرحلة القادمة.

وأكد وقاف أننا اليوم بحاجة لأعمال تتناول المرحلة اللاحقة للأزمة وبحاجة كتّاب تستقرىء القادم ولا تنقل حاضر الأزمة، إذ أننا نعيشها بتفاصيلها، والجمهور ملّ من الدم ومن القتل، حسب قوله، إلى جانب من استسهل الكتابة مؤكداً أننا بحاجة للمثقفين في سوريا لأن يتوجهوا للكتابة في اتجاه ما، غير أنهم منكفئين حالياً لا يدرون ما يكتبون. وعن المنافسة الحالية في الدراما قال وقاف أن الدراما المصرية أدركت المشكلات التي تعاني منها ومن الملاحظ النضج الذي تم في أعمالها الأخيرة، وأيضاً الخليجية دخلت في المنافسة، فلم يعد الحديث عن الدراما السورية وحسب، كما جرت العادة لفترة من الزمن، مؤكداً وجود أعمال سورية متميزة لاشك، مطالباً التطور في الدراما للمحافظة على مكانتها، مؤكداً في الوقت نفسه أن المشاهد السوري متواجد ضمن رؤية الكاتب والمخرج، فالكاتب والمخرج لا يعول كثيراً على رأي خارجي بقدر ما يهمه الاستفتاء الداخلي والتقييم السوري.

وبالحديث عن الحاجة للسوق العربية، لفت وقاف إلى إلى الجهة المنافسة الجديدة والتي من الممكن أن تأخذ الدور اللاحق الأكبر هو youtube، لا سيما مع التطور التكنولوجي الكبير، حيث بدأت بعض المواقع بشراء حقوق أعمال خلال العرض مقابل أجور بسيطة بالاشتراك.

أما “جيهان مارديني”، مساعدة إخراج سينمائي، رأت أن الدراما السورية – للأسف – لم تعد حالياً بنفس مستوى المرحلة السابقة، بل بدأت بالانحدار والانجراف وراء الربح المادي، الأمر الذي أثر على قيمتها الفنية، حسب تعبيرها.

وأضافت مارديني أن هناك خوف، لكن بالمقابل هناك أمل لأننا شعب يمتلك طاقات، ومحال أن يموت الإبداع فينا، حسب قولها. وللشارع السوري رأيه أيضاً في دراماه، فقد وجد سمير “موظف بنك” أن لا منافس للدراما السورية، فهي الأقرب للمواطن وهمومه وهي لسان حاله، وإن عانت من مشكلات ما إلا أنها تبقى الأقرب، مضيفاً أنه على الرغم من الأعمال المشتركة إلا أن الممثل السوري كان متميزاً، حسب تعبيره. ولأن الدراما التلفزيونية من أهم الصناعات المؤثرة، سواء اقتصادياً أو نفسياً، في معظم دول العالم نأمل أن نحافظ على هذه المكانة، بل وأن نتقدم عربياً بالاستفادة من الخبرات المتراكمة، وبالاعتماد على مواهبنا الخلاقة وكوادرنا الفنية، التي ترفع لها القبعة بما حققته في الخارج قبل الداخل، فلدينا من الإبداع التمثيلي ما يثبت أن حيتان التمثيل بحرهم سوري، وأن بذور الإبداع جذورها سوريّة.

البعث ميديا || خاص – غوى يعقوب