مساحة حرة

تأجيل واشنطن لـ «جنيف ـ 2» سيجبرها على مزيد من التنازلات

حسن سلامة

مما لا شك فيه أن تأجيل مؤتمر «جنيف ـ 2» لم يكن ليحصل لولا الموقف الأميركي الذي أراد من وراء هذا التأجيل الرهان على تحقيق بعض الأهداف التي لم يستطع التحالف الغربي تحقيقها خلال أكثر من سنتين جرى خلالهما شن حرب كونية لكنها فشلت في تحقيق أغراضها.

ولذلك سعت واشنطن من وراء هذا التأجيل لتحقيق الأمور الآتية:
ـ أولاً محاولة إرضاء السعودية التي شعرت أنها تعرضت لضربة كبيرة من حليفتها الإدارة الأميركية بعد أن تراجعت عن عدوانها دون أن تُعلِم الرياض بذلك ومن ثم جاء الاتفاق الروسي ـ الأميركي ليزيد من غضب السعودية على حليفها الاستراتيجي في البيت الأبيض.
ثانياً: أدركت واشنطن أن تحديد موعد المؤتمر من دون اتفاق «ائتلاف الدوحة» على الوفد الذي سيمثله سيضعف كثيراً من دورها في المفاوضات. إضافة إلى ذلك بدا من الصعوبة أن تتوافق المعارضة بمختلف تلاوينها على وفد موحد ولذلك أرادت الإدارة الأميركية المحاولة مجدداً علّها تستطيع أن تدفع نحو الوصول إلى وفد موحد للمعارضة لكن هذا الأمر مستحيل التحقق نظراً للخلاف السياسي الجذري ليس فقط بين «ائتلاف الدوحة» و«مجلس اسطنبول» بل بين هؤلاء ومعارضة الخارج كما أن المجموعات المسلحة تعد بالمئات ولا يجمع بينها أي تحالف سوى القتل والإجرام.
ثالثاً: لقد أرادت واشنطن أيضاً إعطاء السعودية مزيداً من الوقت في سبيل المحاولة مجدداً لتغيير موازين القوى على الأرض رغم أن المهلة التي كانت طلبتها السعودية في الأشهر الماضية جاءت بعكس «الرياح» السعودية وتحديداً الثنائي بندر بن سلطان وسعود الفيصل حيث تمكن الجيش السوري خلال الفترة الماضية من فرض تحولات استراتيجية على الأرض عبر الإنجازات الميدانية الكبيرة التي بدأت منذ تطهير القصير ومحيطها وامتداداً إلى مناطق واسعة من ريف دمشق ووصولاً إلى الإنجازات الأخرى في حلب وباقي المحافظات.
وتقول مصادر دبلوماسية إنه رغم كل الإنجازات التي حققها الجيش السوري لم تقتنع الرياض بسقوط رهاناتها بل أصرت الرياض عبر بندر والفيصل على زيادة سفك الدماء السورية ووصل تآمرها إلى حدود تسليح وتمويل فروع القاعدة بدءاً مما يسمى «جبهة النصرة» و»الدولة الإسلامية في العراق والشام» بالإضافة إلى محاولة إقامة ما يسمى «لواء محمد» في ريف دمشق على أمل أن تغير المجموعات المسلحة من اندفاعة الجيش السوري في مواجهة الإرهابيين.
انطلاقاً من ذلك فالسؤال الذي لا بد منه: ما هي الخيارات المطروحة بعد تأجيل مؤتمر «جنيف ـ 2» وهل هناك إمكانية أمام العصابات المسلحة لإحداث تغيير في طبيعة الموازين القائمة على الأرض اليوم؟
ليس خافياً على أحد أن الإدارة الأميركية اضطرت للسير بالحل السياسي للأزمة السورية نتيجة عوامل ومعطيات عدة سورية وإقليمية ودولية وحتى أميركية داخلية.
وإذا كان التوقف عند الظروف التي اضطرت واشنطن للقبول بالحل السياسي يحتاج إلى قراءة مطولة فإنه لن يفيد الأميركي ولا حلفاءه في السعودية أو «ائتلاف الدوحة» بل بالعكس فإن إطالة أمد الحل سيعرض هؤلاء جميعًا إلى مزيد من الهزائم.
ووفق المصادر الدبلوماسية فإنه إذا كان هدف هذا التحالف محاولة ابتزاز سورية للتخفيف من شروطها للحل السياسي خصوصاً ما يتعلق بآليات المرحلة الانتقالية وصلاحية قيام حكومة جديدة في المرحلة التي تلي حصول توافقات في «جنيف ـ 2» أو ربما «جنيف ـ 3» فإن واشنطن بالدرجة الأولى ستضطر في مرحلة لاحقة إلى تقديم المزيد من التنازلات لمصلحة الدولة السورية.
ومرد هذا الجزم الذي سيضطرّ الإدارة الأميركية للمزيد من التراجع عوامل كثيرة لكن أبرزها اثنان:
ـ العامل الأول: إن الجيش السوري مرشح لتحقيق المزيد من الإنجازات الميدانية بعد أن تمرس في حرب العصابات وحرب الشوارع. بينما العصابات المسلحة تواجه صعوبات عدة من تعدد هذه المجموعات إلى الصراع على النفوذ والمواقع والذي طال حتى فروع «القاعدة» في ما بينها.
ـ العامل الثاني: أن واشنطن التي بدأت تشعر بخطورة توسع جماعة «القاعدة» على حساب باقي المجموعات المسلحة وبخاصة ما يسمى «الجيش السوري الحر» ستدرك لاحقاً أن خطر إرهاب «القاعدة» سيطال حلفاءها في باقي المجموعات المسلحة كما أنه سيتوسع إلى الدول المحيطة بسورية وربما إلى دول أوسع في الغرب وغيره وعندها قد تضطر لتغيير كل سلوكها تجاه القيادة السورية لكي تتمكن من تدمير إرهاب «القاعدة». والدليل على ذلك أن تركيا بدأت عبر قيادة أركان جيشها تدرك مخاطر وجود القاعدة على حدودها بل في داخل تركيا.
كما أن المصادر الدبلوماسية تعتقد أن الرياض ستكون أمام أحد أمرين إما أنها ستسلك خيارات جديدة تتناغم مع الإدارة الأميركية وإما أن واشنطن قد تدفع باتجاه إحداث تغيير في داخلها يلبي التوجهات الأميركية الجديدة.
لذلك تقول المصادر إن واشنطن ستضطر قريباً للسير في انعقاد مؤتمر «جنيف ـ 2» لكن مصير التفاهمات والتسويات اللاحقة مرهون بالوضع الميداني والذي قد يبقى مفتوحاً إلى ما بعد «جنيف ـ 2» وما بعد بعد جنيف.

البعث ميديا