اخترنا لكسلايد

أسلحة أمريكا السرية “1”… برمجة القاتل

البعث ميديا || مدير التحرير

أنهت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية باستخدام أبشع الأسلحة في تاريخ الحروب – القنبلة الذرية على المدنيين من الشعب الياباني. وقد طور “سلاح يوم الحساب” هذا في سرية تامة كجزء من برنامج ضخم للبحث مستخدما جيشا صغيرا من كبار علماء العالم. وبعد الحرب، راحت الولايات المتحدة تبحث بين الأنقاض والفوضى لمعرفة التقدم الذي أحرزه أعداءها في برامجهم السرية لتطوير الأسلحة. واتضح أن الجهود الألمانية الذرية تبدو بدائية بالمقارنة مع “مشروع مانهاتن”. بيد أن الألمان واليابانيين قد أحرزوا تقدما في مجالات أخرى. وقد أصاب الأمريكيون الهوس لمعرفة مقدار ذلك التطور.
اثنان من “الأسلحة” التي حصل الأمريكيون على معلومات بشأنها لا علاقة لها بميدان المعركة التقليدي، ولكن عواقبها هائلة. وباستخدام مجلدات من المعلومات المكتسبة من التجارب الألمانية واليابانية التي أجريت على سجناء معسكرات الاعتقال، وأسرى الحرب وكامل تعداد السكان المدنيين، واصلت الولايات المتحدة برامج الأبحاث التي قام بها أعداؤها حول التحكم بالعقل والحرب البيولوجية. حتى أنها قامت بتوظيف بعض مجرمي الحرب الذين أشرفوا على تلك البرامج كمستشارين في قاعدة “فورت ديترك” للقيام بالتجارب مستخدمين المواطنين والجنود الأمريكيين كخنازير تجارب.
كانت البنية التحتية لمشروع مانهاتن ذاته مستخدمة في هذا الصدد. وتحت هذه المظلة، أملت الولايات المتحدة في تكرار نجاحها في خلق الأسلحة المدمرة عن طريق إتقان تكنولوجيا التحكم بالعقل التي طورها الألمان وتكنولوجيا الحرب البيولوجية  التي طورها واختبرها اليابانيون.
لكن الجهود الرامية إلى تطوير أسلحه خيالية في فترة ما بعد الحرب كانت مختلفة جوهريا عن تلك التي أنتجت قنبلة خارقة قادرة على تدمير مدينة بكاملها. وبدلا من استخدام الفيزياء والكيمياء لتسخير قوى الطبيعة الأساسية، تستخدم الأسلحة الجديدة ميادين علم النفس وعلم الأحياء للتلاعب بالعمليات الأساسية اللازمة للصحة العقلية والنفسية لدى الإنسان. وعن طريق فك مفاتيح الدماغ والجسد، فإن الولايات المتحدة ستكون قادرة متى شاءت على نشر الأمراض لأغراض الحرب النفسية أو البيولوجية. وتمتلك هذه الأسلحة في نهاية المطاف القدرة على أن تكون أكثر تدميرا من القنبلة الذرية، إذ لا يمكنها فقط السيطرة على كل من الصحة العقلية والبدنية على نطاق لم يسبق له مثيل، ولكن الأهم من ذلك ، يمكن اختبارها واستخدامها في سرية تامة.
ولصقل الأسلحة التي طورت خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، أطلقت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية برنامجها السري الهائل للبحث والتجارب على البشر حول العالم. وعن طريق تعزيز البنية التحتية الطبية الأمريكية، تمكنت وكالة المخابرات المركزية من إدارة عمليات  التجريب تحت غطاء من الأبحاث الشرعية وعن طريق أطباء كان بعضهم غير مدرك للغايات البعيدة التي ستوظف لأجلها تلك الأبحاث.
هدفت أبحاث التحكم بالعقل في الأساس لتحقيق أهداف طبية، مع أن الطرق في تحقيقها كانت غير شرعية. وعلى غرار نظيراتها في المجالات الأخرى، حاولت نخبة العلماء والمعالجين النفسيين الأمريكيين خلق أمراض بشرية عند الطلب بحيث يمكن للعلاج أن يختبر ضمن شروط مخبرية. مثلا، اتجهت الأبحاث بشكل انتقائي نحو فقدان الذاكرة الناتج عن التنويم المغنطيسي وحالة فصام الشخصية الناتج عن استخدام المخدرات لمنح الأطباء طريقة لاختبار النظريات حول أسباب الأمراض العصبية والذهنية. وكان للأبحاث الطبية ذات الطبيعة البيولوجية الأهداف ذاتها. وكان يمكن لتجارب “الفيروسات المضادة للسرطان” على البشر مثل فيروس “وستنايل”، إضافة إلى  “عمليات استئصال السرطان” لدى المرضى الذين يعانون من جهاز مناعي مصاب، أن تسمح للعلماء باختبار نظرياتهم حول الكيفية التي يتحكم فيها جهاز المناعة بتطور الأمراض. وتسمح مثل هذه المعلومات بالتلاعب بجهاز مناعة الإنسان باتجاه تطوير لقاحات مضادة للسرطان.
لكن بالطبع لم يكن القيام بهذه التجارب لخلق نموذج مخبري للأمراض العقلية والنفسية يقوم فقط لأهداف طبية. أطلقت تلك الأبحاث لأهداف في معظمها لأجل تطبيقات الحرب النفسية والبيولوجية، وحتى ذلك كان تحت غطاء “تطوير وسائل الدفاع ضد العدو الذي يستخدم تكنولوجيا الحرب النفسية والبيولوجية”. على سبيل المثال، قيل أن معرفة كيفية تدمير الذاكرة والتلاعب بالشخصية عبر الضغط، والمخدرات، والتنويم المغنطيسي قد يسمح للباحثين بمواجهة هذه العمليات ذاتها و”تحصين” رجالهم ضد العدو الذي يستخدم مثل هذه التكنولوجيا في عمليات التحقيق العدائية.
وبالطريقة ذاتها كان الادعاء بأن معرفة كيفية تدمير المناعة عن طريق المواد الكيميائية والفيروسات للتسبب بالمرض كان ليقدم “إجابات هامة لمواجهة هذه العمليات في تطوير اللقاحات”. وكان لمثل هذه اللقاحات أن “تسمح للحكومة بحماية جنودها ضد الأسلحة البيولوجية التي تستخدم في تهديدات الأمن القومي”.
لكن، ولغايات أكثر سوداوية، تقدم هذه الأبحاث أيضا قدرات هجومية. فعلى نحو افتراضي، تسمح أبحاث التحكم بالعقل الدفاعية لوكالة الاستخبارات المركزية بخلق العملاء ومنفذي العمليات الذين يقومون بتنفيذ مهامهم في قلب الخطر دون المخاطرة بتحولهم إلى تهديد على الأمن. ومن خلال التحكم الذهني وخلق شخصيات متعددة مزيفة، يمكن إنتاج عملاء مزدوجين يمتلكون قدرة مناعية ضد الاستجواب والذين لن يكونوا فقط نواقل معلومات بشرية (لمنوم مغنطيسي صديق) بل يقومون أيضا وبطاعة تامة بتنفيذ عمليات مثل الاغتيالات التي تتناقض في الأساس مع أخلاقياتهم الشخصية وأمنهم الشخصي. ويمكن أن يتم إرسال عملاء مطورين أو ممن أنهكت ذاكرتهم بطريقة انتقائية إلى الميدان لإنجاز مهمة لن يكونوا قادرين على تذكرها بشكل واعي فيما بعد.
كذلك فإن للعمل على اللقاحات استخدامات مزدوجة. فعن طريق تطوير تكنولوجيا لإنهاك الجهاز المناعي بشكل انتقائي، يمكن للباحثين تطوير وفهم آليات عمل الجهاز المناعي في مواجهة الأمراض. وبعدها يمكن استخدام تلك المعلومات لمواجهة مثل تلك العمليات وتعزيز الجهاز المناعي انتقائيا على شكل لقاحات. لكن القدرة على تدمير الجهاز المناعي بطريقة متحكم بها كان بحد ذاته سلاحا بيولوجيا يمكن استخدامه كجزء من القدرات الهجومية. ويمكن لهذه الوسائل الدفاعية والهجومية أن تستخدم في الاتجاهين معا. ويمكن تطوير اللقاحات الدفاعية بحيث تسمح للقوات الأمريكية بأن تكون منيعة ضد الأسلحة البيولوجية التي قد تستخدمها القوات المعادية.
إن النظرية هي أمر واحد، لكن التطبيق كان أمرا آخر. هل قامت حكومة الولايات المتحدة، عن طريق عملائها، بنقل أبحاث الحرب النفسية والبيولوجية بالفعل إلى مستوى أعلى؟ تثبت سنوات البحث التي قام بها العديد من المحللين بأن هذا قد حدث بالفعل ولا يزال يحدث حتى اليوم.
فقط خذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
* إن التكنولوجيا التي طورت للتحكم بجهاز المناعة، مدمرة بشكل انتقائي الخلايا المناعية عن طريق الفيروسات وعمليات الاستئصال السرطانية، قد استخدمت لنشر عدوى الإيدز والسرطان داخل الإنسان. وقد كان هذه الداء الأخير مفيدا جدا لتحقيق أهداف أبحاث لقاحات السرطان ومؤسسات الأمن القومي معا، وهما المجالين الذين يعملان في الوقت ذاته لخلق فيروسات الإيدز التي تنمو في الخلايا البشرية سابقا لوباء فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب. ويشرح كتاب “الإيدز: المرض المثالي” للكاتب جيري ليونارد، كيف أن عملاء مثل هذه الحرب البيولوجية لم يخلقوا تحت غطاء أبحاث السرطان فقط، بل يشرح أيضا كيف أطلقوا تحت غطاء تجارب السرطان العالمية لبث المرض في مختلف أنحاء العالم. وبهذه الطريقة، استعادت الولايات المتحدة تجارب الحرب البيولوجية الدولية التي قام بها اليابانيون خلال وقت الحرب والتي وظفتها بعد الحرب العالمية الثانية باستخدام الفيروسات المضادة للمناعة والتي استكمل تطويرها خلال عقود من التجارب السرطانية على الحيوانات.
* جرى استكمال تقنيات التحكم بالعقل النازية خفية من قبل وكالات الاستخبارات الأميركية بعد عقود من الأبحاث على مئات الضحايا، لتحصل في النهاية على عقل بشري مسيطر عليه لخلق عملاء “مبرمجين” وعملاء مزدوجين و”قتلة غير متطوعين”. وبحسب الوثائق الحكومية السرية التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، فإن هؤلاء العملاء يقومون بأعمال “حتى ضد القوانين الأساسية للطبيعة للمحافظة على النفس”. وأفظع جريمة من هذه المخلوقات كان برمجة القاتل الذي استخدم لقتل الرئيس جون كينيدي. ويظهر كتاب “”القاتل الكامل” لجيري ليونارد كيف ينسجم فعل لي هارفي اوزوالد المتناقض ظاهريا بشكل مخيف مع كونه تعرض وبطريقة غير ذكية لعمليات التحكم بالعقل من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية عبر ما يعرف الآن ببرامج الحرب الباردة الأسطورية “إم كيه ألترا”  MKULTRA. إن فوائد أفعال اوزوالد بالنسبة لوكالة المخابرات المركزية والتنبؤ بنشاطاته في مذكرات وكالة المخابرات المركزية والبيانات العسكرية عن التنويم المغنطيسي تكشفها الدراسة التي قدمتها عن مقتل الرئيس كينيدي.

* إن تجربة التحكم بالعقل تمكن أيضا من المحافظة على كم من البشر لكن بمثابة خنازير لأهداف التجريب البيولوجي. كما أن استخدام الايدز ضمن هذا الإطار من التجريب يقدم وسيلة استثنائية لمواصلة تحسين النسل الطويل الأمد لإنشاء عرق متفوق أشرف عليه من قبل الشركات الأمريكية في ألمانيا النازية. ويمكن القول أن الكثير من السياسات الأميركية تهدف إلى إدامة هذا البرامج النخبوية التدميرية بهدوء ووحشية.

 

الجزء الأول