الشريط الاخباريمحليات

مجلس الدولة بين السلطة الدستورية القضائية والأحكام التعسفية

       مصلحة وطنية  

  «البعث» تسلط الضوء على عمل مجلس الدولة (القضاء الإداري) وتستقصي رأي أهل العلم والاختصاص.. (ولكن قبل البدء أسجل الشكر وألتمس العذر لمن حاورناهم وأعترف معهم أن المعضلة في “عصملية” القوانين.. ولكن من سنّها.. وهل هي منزّلة؟..).

 هل مجلس الدولة موجود ويقوم بدوره على أكمل وجه؟.

هل يتم تنفيذ الأحكام القضائية؟

 هل تلجأ الإدارات إلى القضاء الإداري؟

هل يلجأ الموظف إلى القضاء الإداري أو يعرف ما هو؟ هل يتخذ القضاء الإداري قرارات عادلة بحق المدراء الذين يتعسفون في استعمال السلطة؟

 هل يراقب القضاء الإداري إذا كانت تصرفات الإدارة تتم في حدود وقيود القانون والدستور؟ هل توجد محاكم إدارية في جميع المحافظات السورية ليلجأ إليها الموظفون؟

 هل يوجد قانون أصول محاكمات وإجراءات إدارية للاستناد إليه ؟ المحامي محمد رامي عابدين بين أن سلامة وصحة أداء الإدارات العامة في أعمالها وضمان تحقيقها لأهدافها كاملة هو في مصلحة تطوير وتحديث وطننا، وفي حال عدم قيام الإدارات بذلك يجب ألا نتركها حرة، بل نشدد الرقابة القضائية المتمثلة في مجلس الدولة عليها، وصلاح أداة الحكم وجهاته العامة هدف أساسي وسام من أهداف الدولة الحديثة ولتحقيق هذا الهدف الراقي لا بد من إحكام الرقابة القضائية على أعمال الإدارات والجهات العامة فيما يتعلق في أعمالها وقراراتها وتوجهاتها، وما إذا كانت مطبقة لمبدأ الشرعية أم لا على نحو يكفل تحقيق الصالح العام ورفاهيته  واطمئنان المواطنين واستقرارهم في وطنهم لتعميره وتطويره  والمساهمة في تقدمه وإشادة مداميك الخير والعطاء فيه وأخذ المقصر بجرمه وخطئه ومكافأة المجد في عمله تأكيداً لاحترام سيادة القانون ومشروعيته.

     الرقابة القضائية

 وأوضح عابدين أن الرقابة القضائية تعد من أهم عناصر نشاط الدولة  فهي عنصر هام حيوي في العمل التنفيذي  نفسه  لمراقبة سير العمل ونتائجه وتقويم ما اعوج منه، ولا يكفي في هذا الصدد رقابة الرئيس لمرؤوسيه، بل يجب إيجاد هيئات رقابية مستقلة على أعمال الإدارات، وهذه الرقابة القضائية ضرورية وحيوية وجديرة بالاهتمام، وتقف بجانب الرقابة التي يمارسها كل رئيس إداري على مرؤوسيه، إلا أن الرقابة القضائية أنجع وأدق وتحمل قسمات الاستقلال عن الإدارة.  سلطة مستقلة

 د. ياسر الخلف ( كلية الحقوق ) قال: لقد ابتكر رجال الفكر والقانون من جميع الأمم والشعوب سلطة مستقلة وحيادية عن الإدارة لمراقبة تصرفاتها وأفعالها، فأبدعوا فكرة الرقابة القضائية المتمثلة في مجلس الدولة ( أو القضاء الإداري ) على أعمال الإدارة وتصرفاتها وقرروا مبدأ المشروعية الذي يستند عليه بناء كيان الدولة الحديثة والمتطورة ويعبر عنها بسيادة القانون ودولة المؤسسات أي أن تكون كافة أعمال الإدارة وتصرفاتها تمارس وتطبق في حدود الضوابط القانونية ومبادئ العدالة المنصوص عليها في دستور الدولة، وفي القوانين الأخرى، الذي يعتبر أسمى قوانين الدولة حيث العقد يخلق المجتمع والدستور ينظمه.

  مؤشر التقدم 

 ولفت الخلف إلى أن سيادة القانون في أي دولة مؤشر يدل على تقدمها واحترامها لشرعة حقوق المرء الطبيعية وصون كرامته ورعايته، وإلى القضاء الإداري يلجأ كل مواطن ليحتمي به عندما يحس أن الحكومة  قد أوقعت به ظلماً أو حيفاً أو سلبت منه حقاً أو جحدته، وعلى قضاة مجلس الدولة أن يجسدوا هذا الدور وأن يحموا المواطنين من الاعتداء وأن يحموا الدولة من الاعتداء عليها وعلى أموالها وعلى المال العام، ألم يحن الوقت ليكون هذا القضاء فعالاً ويؤدي دوره في تطور وتقدم البلد ؟..

 الفاعلية الغائبة

  من جهته قال عصام جلال (عضو مجلس الشعب) تعتبر المحكمة الإدارية العليا ذروة وقمة الرقابة، يندرج تحت رقابتها كل شيء تقريباً، لكننا لانسمع كثيراً بفاعلية هذه المؤسسة، المطلوب اليوم أن يتم خلق حراك عام في جميع المجالات، لاسيما في ميدان القانون والتشريعات والقواعد العامة للتنظيم القضائي في سورية، من تشابك وتوازي الإصلاحات في جميع المجالات لتسير مع بعضها ليصل الإصلاح إلى مبتغاه. ولابد من القول إن المسؤولية الإدارية والرقابة القضائية على أعمال الإدارات التي هي أداة تحقق المسؤولية لا تعني تصيد الأخطاء والتهديد بالعقوبة وفق المفهوم البالي لها،  وإنما تطورت و ارتقت على النحو الصحيح لتتماشى مع الأعباء الحديثة للإدارة العامة، وهي تحقيق الأهداف والوفاء بمتطلبات الجماهير وإشباع حاجاتهم ومجابهة مشاكلهم والوفاء لهم لأن الإدارة هي لخدمة الشعب وليست وصاية وسلطة على الناس..

 قوانين “عصملية”

 ولفت جلال إلى أن يلعب مجلس الدولة دوراً هاماً وحيوياً في عملية الرقابة على أعمال الإدارات والجهات التابعة لها، و أن يراقب بعين باصرة ونافذة مدى التزام الإدارات الحكومية بالقوانين والأنظمة ومدى احترامها لمبدأ الشرعية.

 ونوه جلال أن على مجلس الدولة من خلال ممارسته لرقابته تلك أن يوجه الحكومة والقائمين بالأمر إلى تدارك ما قد يظهر من أوجه النقص أو الغموض في التشريعات والقوانين، ويطلب إعادة النظر فيها على ضوء ما يكشفه قضاة مجلس الدولة ومستشاروه من خلال تطبيقهم العملي لتلك النصوص والتشريعات، ولدينا قوانين كثيرة مضى عليها أكثر من نصف قرن ولابد من تحديثها أو إعادة النظر بها..

  رأي عمالي

ولاشك في أن الحضور الدائم للمادة (137) في حياة الموظف الحكومي يشكل أهم الإشكاليات التي يواجهها القضاء الإداري، وبالرغم من المطالبات والمحاولات العديدة لإلغائها إلا أنها لم تنجح في ذلك، وهذا ما أكد عليه  أحمد حسن أمين شؤون العمل في اتحاد العمال الذي قال :إن الاتحاد العام لنقابات العمال طالب ويطالب بإلغاء هذه المادة وحالياً تجري دراسة تعديل القانون الأساسي للعاملين في الدولة وإحدى المواد الأساسية المطروحة للتعديل أو الإلغاء هي المادة 137.

فمن خلال الواقع تبين أن الكثير من حالات الصرف لم تكن صحيحة بدليل أن العامل المصروف لا يعرف أي سبب لصرفه ودون سؤاله أو التحقيق معه، وكذلك الأحكام القضائية التي برأت العامل المصروف أو منع محاكمته، والاتحاد العام عندما طرح موضوع العمال المصروفين من الخدمة لم يطرح موضوع إعادتهم إلى العمل، بل طلب إعادة دراسة هذه الملفات وإنصاف أصحابها، ولا بد من التنويه إلى أن بعضاً من الحالات قد تم دراستها وصدرت قرارات بإعادة أصحابها إلى العمل، لكن مؤخراً تصدر قرارات صرف تتضمن المادة الثانية فيها “عدم صرف المستحقات التقاعدية للعامل المصروف” وهذا يتنافى مع الأنظمة والقوانين بجهة أن الصرف يتم وفق المادة 137  وهذا لا يحرم العامل من حقوقه التقاعدية، كما أنه  يتناقض مع القانون20 لعام 2013  الذي منع وقف الاستحقاقات الأمنية إلا بعد حكم قضائي، إن الراتب التقاعدي في جزء منه هو من حق أسرة العامل، ونؤكد أن الاتحاد عندما يطرح إلغاء المادة137 فهو يستند إلى أن هذه المادة تخالف الدستور خاصة في المادة “51”

  رأي مسؤول

د. محمد الحسين رئيس مجلس الدولة قال: يعد مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة تلحق برئاسة مجلس الوزراء، ويتكون من قسمين: الأول القسم القضائي والذي يتكون من المحكمة الإدارية العليا، ومحاكم القضاء الإداري، والمحاكم الإدارية ، وهيئة مفوضي الدولة، القسم الثاني: القسم الاستشاري والذي يهتم بتقديم الآراء والفتاوى والتشريع.

 خصوصية قضائية

  وأضاف الحسين : إن الجانب النظري من القضاء الإداري في الجمهورية العربية السورية ممثلاً (بمجلس الوزراء) يتميز بخصوصية عليا ناتجة عن الروابط والصلات القوية مع المرافق العامة وفهم عميق لدقائق النشاط الإداري ، يعطيه الدور الرئيسي في حسم المنازعات الإدارية لأنه الأقدر بحكم تخصصه وإلمامه بأعمال الإدارة وشرعيتها، وحرصه في الوقت نفسه على حماية حريات الأفراد وحقوقهم في مواجهة الإدارة ، وهذا يعني أنه يشكل نقطة التوازن والضامن الرئيس للمصلحة العامة والمصلحة الخاصة.

  قواعد القانون

 وأوضح الحسين أن المرافق العامة في الدولة تتمتع بامتيازات خاصة سلّحت بها من أجل تحقيق الغاية من وجودها ، لكن يجب أن تتقيد الإدارة بقواعد القانون العام الذي منحها هذه السلطة، وضبط إيقاع تصرفاتها وفق الضوابط التي تحكم هذه الأعمال والتصرفات، وبما يحقق المصلحة العامة، لأن هذه الامتيازات جاءت من أجل تمكين الإدارة العامة من تحقيق أهدافها وليس من أجل التعسف والتعالي على الشرعية القانونية وعلى الأفراد من خلال تهديد حقوقهم وحرياتهم، وهكذا يجد القضاء الإداري من خلال رقابته على أعمال الإدارة المسار القانوني الصحيح والتوازن العادل بين تمكين المرافق العامة من أداء وظائفها على أحسن وأكمل وجه ، والحفاظ على الحقوق التي يتمتع بها المواطنون.

  رقابة حكيمة

 وأشار رئيس مجلس الدولة : إلى أنه يجب على القضاء الإداري أن يقوم برقابة حكيمة ومتزنة وليست متشددة حتى لا تشل حركة الإدارة، ولا أن تكون ضعيفة حتى لا تؤدي إلى تعسف الإدارة على حقوق المواطنين، وبهذا نكون قد حافظنا على شرعية الأعمال وتطبيق مبدأ سيادة القانون.

 شرعية القرارات الإدارية

  وبين الحسين :أن الجانب العملي يختص بالنظر في شرعية القرارات الإدارية من عدمها من خلال التطرق إلى وجوب تطابق هذه القرارات مع القواعد القانونية سواء أكانت هذه القرارات إيجابية (صريحة) أم قرارات سلبية (ضمنية)، فردية أم تنظيمية ، إذا شابها عيب من العيوب المشروعية ( عيب الاختصاص- عيب الشكل والإجراءات – عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تفسيره ، أو عيب الانحراف بالسلطة) وتقتصر صلاحية القاضي الإداري في دعوى الإلغاء، على إلغاء القرار الإداري أو تصديقه إذا كان قد اتخذ وفقاً للقانون.

 تحقيق العدالة 

 وأكد الحسين : إذا كانت الدعوى دعوى تعويض أو ما يسمى بالقضاء الكامل فصلاحيات القاضي تتوسع لتشمل إلغاء العمل الإداري أو تعديله أو استبداله والتعويض عن الأضرار التي نتجت عنه.  وهذا يعني أن الأعمال الإدارية القانونية  قد تكون انفرادية كالقرارات الإدارية أو ناتجة عن أعمال إدارية متعلقة بالعقود الإدارية، إضافة إلى المنازعات المتعلقة بالمواطنين من تعيين أو ترفيع أو معاشات أو تعويضات أو تأديب أو إحالة على المعاش أو الاستيداع ، أو متعلقة بالعقود الادارية أو القرارات المتعلقة بالضرائب والرسوم والمنازعات المتعلقة بانتخابات الهيئات الإقليمية والبلدية.. ولابد من الإشارة إلى وجود محاكم مسلكية للنظر في الدعاوى العمالية والتأكد من قانونية القرارات الإدارية المتخذة بحقهم من عدمها، وذلك من أجل تحقيق العدالة واحترام مبدأ الشرعية..

  الفتاوى والمشورة القانونية

 وأشار رئيس مجلس الدولة: إلى أن القسم الاستشاري يقوم بتقديم الفتاوى والمشورة القانونية عن طريق لجان مشكلة في مجلس الدولة إلى الإدارة بناءً على التساؤلات الموجهة من قبلها، هذه الآراء ليست ملزمة للإدارة لكن يقضي فن المسؤولية في حال أخذت الإدارة بها. إضافة إلى وجود جمعية عمومية تختص في النظر بالتساؤلات القانونية الواردة للمجلس من قبل السيد رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء…إضافة إلى أنها تجتمع للنظر في آراء اللجان الاستشارية المتضاربة إن وجدت من أجل توحيد هذه الآراء. وأخيراً تنظر في المنازعات بين الجهات العامة.

  كل موظف معزول

 يعد العنصر الإنساني من الدعائم الأساسية التي يرتكز عليها الجهاز الإداري في تحقيق أهدافه وتنفيذ  السياسة العامة للدولة، وأهم عوامل تقدم الإدارة يتجسد في أن يقوم بالأعباء الإدارية المختلفة أشخاص على درجة عالية من المهارة والكفاءة، وهم مقتنعون بأن المصالح التي كلّفوا بها فوق كل مصلحة أخرى، ومؤمنون بمسؤولياتهم حيال وطنهم، وفخورون بالانتماء إلى الوظيفة العامة، ولهذا انتشر بين فقهاء القانون الإداري والإدارة العامة على السواء، قولهم بأن الدولة لا تساوي إلا ما يساويه الموظف العام، إن مفهوم الوظيفة العامة بمثابة مهنة، تستلزم بالطبع وجود استقرار في العمل، ويجب أن تتوفر لها الضمانات الضرورية ضد الفصل التعسفي، وهذا لا يعني ضرورة الذهاب إلى إعطاء الحق المطلق للموظف بالبقاء في عمله الوظيفي، سيما إذا وجدت الأسباب وقال القضاء كلمته، وفي المقابل أعطيت السلطة صلاحيات من أجل تحقيق العدالة وليس من أجل التعسف والتعالي على الشرعية القانونية وعلى الأفراد من خلال تهديد حقوقهم وحرياتهم.

البعث ميديا – البعث