مساحة حرة

كي لا تتكرر «عدرا العمالية»

مع اقتراب موعد انعقاد “جنيف2” ارتفع، وسيرتفع أكثر، مستوى النفاق السياسي المرافق للمشهد المحيط بسورية بالتزامن مع ارتفاع حدة السخونة الميدانية وتزايد وتيرة المجازر الإرهابية البشعة، وتلك حقيقة لا يحتاج الكشف عن كنهها إلى خبراء في التحليل السياسي والاستراتيجية، فالمنافقون والمتاجرون بالدم السوري أسقطوا كل الأقنعة، إما اضطراراً، بعد افتضاح أدوارهم وأعمالهم، أو عن قناعة بأن المعركة قد أصبحت على المكشوف، كما يقال، وأن المسار والمصير لأمم ودول وعروش أصبح مرتبطاً بالكامل بمسار الأزمة السورية ومآلاتها النهائية.

والحال أن ما كان يخطط للمنطقة كبير جداً، فأولئك الذين ارتقوا على أكتاف شباب حالم بالتغيير، ومحق فيما يطلبه، أرادوا شيئاً آخر، وهو ما افتُضِحَ بعد سقوط فرعون مصر مباشرة، حين صعد إلى منصة التحرير من أراد للمصريين أن يقتصروا على فقه “مضاجعة الموتى” وحرمة “أكل لحم الضفادع”، فيما تُرِكَ الليبيون تحت إرادة وإدارة شركة “توتال” النفطية الفرنسية، وسُلّمَ التونسيون لشبق “النهضة” وتابعها “المرزوقي” للسلطة، وأُشغل اللبنانيون بتلك المعركة الأزلية بين فقراء “باب التبانة” وفقراء “جبل محسن”، والعراق بسياراته المفخخة اليومية، فيما يمنع على أهل الخليج مجرد التظاهر لأجل حقوق إنسانية بسيطة تجاوزها العالم منذ عقود، لأن المظاهرات ليس فيها “سوى الضرر والفساد” على رأي فقيه السلطان الذي يفتي بقتل الناس في كل مكان آخر، والنتيجة: مجزرة “عدرا العمالية”، العمالية يا يساريي المعارضة وماركسييها، وما سبقها وما سيليها، سواء في سورية أم في تلك الدول العربية الأخرى. والحال فإن المجزرة الأخيرة، لن تكون الأخيرة بحسب الوقائع والدلائل، “فمملكة الرمال”، وهي من “كبار” الدول التي تبكي حقوق الإنسان السوري على منابر الأمم المتحدة، وتتحدّث عن مأساة لاجئيه، وهم بالطبع يستحقون البكاء، ولكن ليس من دولة مشاركة حتى العظم في مأساتهم، تخطط، بحسب مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، لشراء نحو 15 ألف صاروخ من صواريخ “ريثيون” المضادة للدبابات بثمن يقدر بمليار دولار، وبما أن أحداً لا يهدد “مملكة القهر” بالدبابات، فهذا يعني، بحسب المجلة والوقائع أيضاً، أن سورية هي وجهة الصواريخ النهائية، وهو ما يعني أيضاً أن المملكة التي ترحب إعلامياً بـ “جنيف2″، تعمل فعلياً على “جحيم2 و3و4 وو..”، وبالطبع بغض طرف من قبل “أصدقاء الشعب السوري”، الذين رفضت “حكومة صاحبة الجلالة” استقبال أي لاجئ منه، فيما عرضت فرنسا، التي تستقبل قادة الإرهاب استقبال الرؤساء، استقبال 500 لاجئ فقط لا غير.

لكن ما يحز في النفس أكثر من كل ذلك، أن سوريين يشاركون في هذه الجرائم بكامل وعيهم، هذا إذا كان ذلك وعياً بالمطلق، وسوريين آخرين، وفيهم اليساري والماركسي والقومي وداعية حقوق الإنسان، ولن نذكر التكفيريين، فهؤلاء خارج نطاق المعاتبة والمساءلة الفكرية، لم يروا في مجزرة “عدرا العمالية” الأخيرة سوى “أعمال وتصرفات مشينة”، وكأنما هي مجرد فعل بسيط غير مقبول اجتماعياً، وليست مجزرة إرهابية بربرية بحق الإنسانية جمعاء، وهو ما يجعلنا نتساءل متى نمتلك، كمواطنين، ما يشبه “مبادرة المساءلة العامة” الأميركية، وهي منظمة قامت مؤخراً بفضح ارتباطات الإعلاميين والمحللين والسياسيين الأمريكيين، الذين روّجوا للضربة العسكرية على سورية، بشركات السلاح واستفادتهم المالية من دماء الشعوب، لنفضح كل سوري، وعربي أيضاً، مرتبط بتنظيمات القتل والإرهاب. ولكن ورغم كل ذلك النفاق وكل تلك المجازر، بل وبسببها أيضاً، فإن البوصلة الوطنية السورية ما زالت، وستبقى، موجهة لهدف واحد: بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الضامنة، وذلك يستدعي أولاً، وقبل كل شيء، أن تكون “جنيف2” منصة لإعلان الحاضرين فيها الحرب على الإرهاب والتكفير، لأن الحوار لم يعد مجرد “جدال” حول من هو على حق ومن على باطل، فشهداء “عدرا العمالية”، ومثيلاتها، هم وحدهم على حق.

أحمد حسن-البعث ميديا