مساحة حرة

الحرب على الإرهاب في المعادلة السورية؟

   يعتقد تجار الدم السوري بأنهم يستطيعون تأمين طريق سالك إلى مؤتمر جنيف2 من خلال تصعيد العمليات الإجرامية التي تقوم بها أدواتهم الإرهابية في الداخل السوري في المرحلة الأخيرة وخاصة ما جرى في مدينة عدرا العمالية من مجازر وحشية طالت فيها اليد الغادرة عدد كبير من العاملين في الدولة وأسرهم ، ويُخطئ أسيادهم مرة جديدة على أن هذه الجرائم يُمكن أن تحجز لهم مقعداً في قاعة اجتماعات المؤتمر الدولي المزمع عقده ليُثبتوا بأن الحرب الدائرة في سورية هي حرب أهلية بين أطياف المجتمع السوري ، وهي ليست حرب ضد الإرهاب والعصابات الإرهابية القادمة من الخارج ، وبالتالي يعترف المجتمع الدولي بأن هؤلاء الإرهابيين لهم حق في لعب دور معين في اتجاه حركة الحوار المتوقع في اجتماع جنيف2 الذي تم تقرير انعقاده في الثاني والعشرين من كانون الثاني القادم ، لكنهم واهمون جداً وأغبياء إلى درجة السذاجة إذا ما اعتقدوا يوماً بأن الحكومة السورية من الممكن أن تُهادن في أية لحظة في حربها المستمرة على الإرهاب ، والأمر المؤكد هو أنه لا يوجد ضمن المعادلة السورية أي عنصر أو عامل يُشير إلى قبول الحكومة السورية الحوار أو النقاش مع الإرهابيين والمرتزقة تحت أي مسمى كان ، وإن قبول الدولة السورية حضور جنيف2 هو من أجل تحميل المجتمع الدولي لمسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه ما يحدث في سورية ، وحثه على استصدار قرار دولي ملزِم لكل الأطراف المشاركة جماعات ودول بحتمية مواجهة الإرهاب الدولي العابر للحدود وشرعية الموقف السوري المشرف في تلك الحرب ، ووضع آليات محددة لوقف تمويل ورعاية التنظيمات الإرهابية ، وتحميل الدول الراعية للإرهاب وفي مقدمتها السعودية وقطر وتركيا مسؤولياتهم الجنائية تجاه ما اقترفوه بحق الشعب السوري على مدى أكثر من عامين ونصف .

    ولذلك نرى بأن مملكة آل سعود الوهابية تعمل بكل إمكانياتها لتأخير انعقاد المؤتمر الدولي وإفشاله – فيما لو أُتيح لها تحقيق ذلك – من خلال استمرارها في  دعم العصابات الإرهابية ووضع العراقيل في طريق العربة الدولية التي انطلقت نحو جنيف2 ، ومحاولة اللعب على تغيير بعض بنود الاتفاقات الروسية – الأمريكية المتعددة الجوانب والأهداف والتي لا تخدم دورهم القذر والأهداف التي عملوا لأجلها منذ بداية الأزمة السورية ، لكنها تحطمت على صخرة صمود الشعب السوري وبسالة جيشه الوطني ، وفي محاولات يائسة  يُكرر بندر بن سلطان مهندس العمليات الإرهابية في سورية والعالم زيارته الفاشلة لموسكو للمرة الثانية في غضون شهرين للحصول على بعض الضمانات حول مستقبل السعودية ودورها في المنطقة ، لأن ما ينتظر السعودية بعد جنيف2 أيام سوداء قادمة بعد أن تم تحديد دور ومهمة كل طرف وكل دولة شاركت في سفك الدم السوري ،  وإن الاتفاقات الدولية الكبرى لرسم الخارطة الجيوسياسية الجديدة للمنطقة قد تمت بدقة ، وتم تحديد آلية قيادة العالم للمرحلة التاريخية القادمة ، وهذا اعتراف ضمني من القوى العالمية الرأسية بأن ولادة نظام دولي جديد قد تم فعلاً انطلاقاً من رحم الأزمة السورية .

  العلاقة الإيرانية الأمريكية الجديدة وما تحمله من تطورات دراماتيكية على الساحة الإقليمية والدولية ، رخت بثقلها وظلالها على الحركة السياسية التي تقوم بها الولايات المتحدة في المنطقة لزرع جو الطمأنينة في نفوس أدواتها وعملائها ، بعد أن دب الرعب في نفوس آل سعود جراء اتفاق جنيف النووي ، وما التصعيد الأمريكي الجديد ، سوى هامش من تلك التطمينات التي لم تُقنع النظام السعودي ، حيث سارع بدوره لإعلان تحالفه الحيوي مع حكومة الكيان الصهيوني في بادرة هي الأولى من نوعها معلناً التطبيع بشكل علني مع الكيان الصهيوني والضغط على بقية دول الخليج لكي يفعلوا ذلك ، في تعبير وقح عن الدور السعودي التخريبي لمنظومة العمل العربي التي أصابها الانهيار الكامل نتيجة سياسة حكام خليج النفط القذر وفسادهم المستمر ، ليأتي النجاح المذهل الذي حققته السياسة الإيرانية بعد صراع دام عدة عقود متواصلة ، كانت نتيجتها الطبيعية الوصول إلى الاتفاق التاريخي الذي تم إبرامه مع مجموعة الـ 5 +1 ويجعلهم يتحسسون الواقع الجديد في المنطقة ، الذي جاء  انعكاساً موضوعياً لصحة وصلابة الموقف الإيراني تجاه التمسك بالحقوق وعدم المساومة على المصالح الإستراتيجية الإيرانية وتعبير عن سلامة الخط السياسي المتوازن الذي اعتمدته إيران في طريقة التعامل مع التحركات السياسية المشبوهة التي قادتها الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والمنطقة خلال السنوات الثلاثة الماضية .

  هناك من يُشكك في انعقاد مؤتمر جنيف2 ، وفي إمكانية نجاحه في وقف تدفق الإرهابيين والسلاح إلى سورية ، ويعتقد بأن مرحلة الحرب مستمرة إلى أفق غير محدود ، لهؤلاء نقول وبكل صراحة بل ونجزم وفق رؤيتنا التحليلية المتواضعة ، بأن عملية الحسم العسكري قد تم تحديد زمنها بدقة من قبل الدولة السورية ، وإن الفترة المخصصة للقضاء على الإرهابيين وإعادة سيطرة الدولة على كامل التراب السوري لم تعد مفتوحة ، بل وقريبة جداً ، وأنه  يُخطئ من يعتقد ولو لبرهة بقبول الحكومة السورية المساومة على مقومات الاستقلال الوطني الرئيسية المتمثلة بوحدة سورية شعباً وأرضاً ووحدة جيشها الوطني الباسل وقدسيته وحصانة مقام الرئاسة ، سواء في مؤتمر جنيف2 أو بعده ، وإن من يحق له تحديد شكل النظام ونوعه وأشخاصه هو الشعب السوري وحده وفق انتخابات شعبية حرة وديمقراطية ، بعيداً عن أية ضغوط خارجية أو مخططات معدة مسبقاً لأنها مرفوضة شكلاً وموضوعاً .

 البعث ميديا || محمد عبد الكريم مصطفى