مساحة حرة

الإرهاب يفتك بالإرهاب .. والضواري تأكل بعضها..!!

د. تركي صقر

وأخيرا وقعت الواقعة وبدأ متوحشو هذا العصر وضواري هذا الزمان يأكلون بعضهم بعضا ..حرب ضروس بين حلفاء الامس واقتتال وحشي بين عصابات اختلفت على كل شيء ولكنها اتفقت على شيء واحد هو استباحة دم السوريين وتدميرالدولة السورية ..مواجهات حامية الوطيس ومعارك إبادة تدور داخل المجموعات الاجرامية المسلحة بين مايسمى داعش من جهة وما يسمى الجبهة الاسلامية من جهة ثانية وتقف “جبهة النصرة ” مع هذا الطرف احيانا ومع ذاك الطرف احيانا اخرى لتحقق مكاسب على الارض في الحالتين  ..

تساؤلات كبيرة وعديدة تدور حول حقيقة انقلاب المشهد الميداني وعلاقته باقتراب موعد مؤتمر جنيف 2 اذا ما انعقد في موعده ؟؟

من المهم جدا لمعرفة ماهية ما يجري على الارض الآن من تقاتل وقتال وعراك وسحق بين القتلة انفسهم ان ننطلق من بدهية اولى لاتفوت اي متابع ان هذه الاطياف المختلفة بمسمياتها من العصابات الارهابية ماهي الا أدوات مصنعة غربيا وامريكيا وتحركها بالروم كنترول المخابرات الامريكية تحديدا وبتمويل سعودي وقطري كامل وهي أفرع  متعددة للقاعدة بما فيها تنظيم الاخوان المسلمين الذي يحاول ان يظهر بغير ذلك وتنظيم القاعدة كان وسيبقى الذراع السري لحلف الناتو والدول الأعضاء في حلف ناتو, حتى هذا الوقت, تكذب عندما تقول أن حركة الجهاد الدولية التي دعموا تشكلها إبان الحرب ضد السوفييت في أفغانستان (1979), قد انقلبت ضدهم منذ عملية تحرير الكويت (1991). لكنهم يقرون في الوقت نفسه  بعودة بعض العناصر الجهادية للعمل مجددا معهم, في ليبيا وسورية وغيرهما, خصوصا بعد مقتل أسامة بن لادن (2011)..

  وتدعي واشنطن مؤخرا انها وضعت حدا نهائيا لهذا التقارب التكتيكي منذ شهر كانون أول عام 2012. غير أن الحقائق تنفي صحة هذه الرواية  لأن تنظيم القاعدة لم يستهدف أبدا أيا من مصالح حلف شمال الأطلسي, بل على العكس من ذلك, فقد قاتل على الدوام أعداء حلف شمال الأطلسي كما تكشف لنا الفضيحة التي تهز تركيا في الوقت الحالي .

واكاذيب واشنطن مفضوحة ومكشوفة  ازاء ازدوجيتها في التعامل مع الارهاب واسنخدامه وقت تشاء حين يخدم مصالحها ومحاربته وملاحقته وقت تشاء عندما يكون ذلك مفيدا لتبيض صفحتها امام الرأي العام العالمي وحكاية المصرفي ياسين القاضي ممول تنظيم القاعدة معروفة وتكشف المستور في علاقة تنظيم القاعدة مع امريكا فياسين القاضي ليس سرا انه  “مصرفي” تنظيم القاعدة , وانه كان معروفا بهذه الصفة, وأن الولايات المتحدة تلاحقه منذ الهجوم على سفارتيها في كينيا وتانزانيا (1998), هو أيضا صديق شخصي لكل من نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني, ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.

الآن نكتشف أن هذا “الارهابي المصرفي” يعيش حياة مترفة, متنقلا بطائرته الخاصة, ضاربا عرض الحائط بالعقوبات المفروضة عليه من قبل الأمم المتحدة.

والسؤال كيف تمكن هذا الارهابي المعاقب دوليا من زيارة صديقه أردوغان, أربع مرات على الأقل خلال عام 2012, حيث كانت تحط طائرته في مطار اسطنبول الثاني, وكان يجري استقباله من قبل رئيس الوزراء شخصيا, طبعا دون المرور عبر بوابة الجمارك, وبعد قطع التيار الكهربائي عن كاميرات المراقبة كلها ؟؟.

ولكن فضيحة العصر التركية بفساد اردوغان وابنه ووفقا للشرطة والقضاة الأتراك الذين رفعوا الغطاء عن خبايا هذه الفضيحة, وقاموا باعتقال أبناء الوزراء المتورطين في قضية 17 كانون أول-ديسمبر 2013, قبل أن يسحب رئيس الوزراء ملف التحقيق من أيديهم, ولنقل قبل أن يجردهم من وظائفهم, كشفت كيف أنشأ ياسين القاضي ورجب طيب أردوغان وقطر نظاما واسعا في تحويل الأموال بشكل سري لتمويل أنشطة تنظيم القاعدة في سورية والحركات الارهابية في مصر ومنها جناح الاخوان المسلمين .

والبدهية الثانية ان السعودية ليست بعيدة عن اي من هذه التنظيمات الارهابية بما فيها ما يسمى الجيش الحر الذي بدأ يتبخر ويلعق جراحه وسط هذه المعمة الآن والسعودية في الواقع ايضا كانت الأم الرؤوم لتنظيم داعش مهما أنكر حكامها ، اية صلة  لقيادة المملكة الوهابية وعائلاتها النافذة في قلب هذا التنظيم. لكن المؤكد، ، أن امراء آل سعود ظلّوا، على الدوام، المصدر الرئيسي لإغناء هذا التنظيم، فكرياً وفقهياً ومالياً وبشرياً وتقديم كل انواع الدعم اللوجستي، لأن هستريا العقل السعودي الذي يتحكم بمن يقود القرار في الرياض أعاد الاعتبار الى نظرية «التحالف مع الشيطان في وجه العدو الأول اليوم، وهو إيران وحلفاؤها».

 من هنا يمكن الوصول الى اجابة لواحد من التساؤلات العديدة حول ما يجري من اقتتال تصفوي احيانا بين العصابات المسلحة الا وهو ان العقل السعودي المجنون لفريق من حكام المملكة  يصب جل اهتمامه، فعلاً، باحتواء تنظيم داعش و بأن تتم السيطرة على كل ما يمتّ بصلة لهذا التنظيم، لا للتخلص منه، بل لاستخدامه في معارك آل سعود مع الكثير من دول العالم. وواهم من يظن ان حكام السعودية او الامراء المهوسين منهم بشن الحروب على اراضي الأخرين يرغبون في ابعاد اي فصيل ارهابي مجرم عن حاضنتهم لانهم يخططون الى معركة طويلة المدى مع جميع من لاينطوي تحت راية الفكر الوهابي التكفيري وللعلم فقط فإن ما من دعم وصل سرّاً أو علناً أو مواربة لهذا التنظيم خلال الأعوام العشرة الماضية، الا تحت نظر آل سعود، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو باكستان واليمن وشمال افريقيا ..

من هنا يمكن الوصول ايضا  الى الاجابة الاخرى  المتعلقة  باقتراب موعد جنيف 2 حيث يسعى الطرف الخاسر امام الصمود الاسطوري  للشعب والجيش السوري الى انتزاع ورقة ميدانية تتيح له التحدث بقوة أكبر في مؤتمر جنيف 2.اذا ما عقد  بعد ان شعر من بيده الأمر في الغرب، وفي السعودية على وجه الخصوص، بأنهم فشلوا في انتزاع مكاسب ميدانية في وجه الجيش السوري وحزب الله. وهم لا يقدرون على ادعاء أن بقية المناطق السورية تحت سيطرتهم الكاملة. لذلك وجدوا في الحملة على «داعش» فرصة لإعادة تنظيم المناطق الخاضعة لسلطة المجموعات المسلحة تحت إمرتهم، وبالتالي اعادة انتاج تنظيم ارهابي جديد يخضع كليا لاوامر بندر في الرياض . ومع ذلك، فإن واشنطن، كما فرنسا المصابة بالهذيان مع العنصري فرانسوا هولاند، تشعران بالحاجة لأن يكون كل إضعاف لـ«داعش»، ضمن سياق لا تذهب إيجابياته الى الطرف الآخربمعنى الايستفيد الجيش السوري من هذه المطحنة الدموية الجارية بين العصابات الارهابية على الارض السورية .

وبالمحصلة فان السعودية  التي صنعت الجبهة الاسلامية واشترت عدة الوية للانضمام اليها تأمل  أن تكون «الجبهة» حاضنة عقائدية لقواعد مؤيدة لـ«داعش»، وأن تكون أشد فتكاً مع النظام في سوريا وضد حزب الله في لبنان، ولكن أكثر طواعية بيدهم السياسية والأمنية…

ان الاحتمال الاكثر رجحانا ان تسعى الولايات المتحدة الى تأجيل انعقاد مؤتمر جنيف 2حتى ينجلي غبار المعارك المحتدمة بين ضواري الارهابيين ومن ثم توحيدهم بقيادة ما يسمى الجبهة الاسلامية عسى ولعل ان تتغير موازيين القوى على الارض  وهي ستواجه اصرار موسكو على عقد المؤتمر في موعده وبمن حضر بتلبية رغبة السعودية في طلب التأجيل في اللحظة الاخيرة لعدم وجود وفد من المعارضة التي صنعتها وعجزت حتى الآن عن توحيد مواقفها ..

tu.saqr@gmail.com

البعث ميديا