الشريط الاخباريثقافة وفن

«في حضرة الرصاص» تصوير لواقع الإنسان السوري في الأزمة

 يقع على عاتق الأديب تفهـّم الواقع، وتمثـّل الأفكار والمشاعر والأحداث ليـُنتج منها أفكاراً وليدة، وليؤثـّرَ في وعي القارئ وطريقة تصوّره للعالم، وليد غلميـّة ألـّف سمفونيـّة عن المتنبـّي، بودلير عبـّر عن المرئيّ بالمقروء في (أزهار الشرّ) رسـّامون استلهموا لوحاتهم من قصائد، فما أحرى بأدبائنا أن يستلهموا أعمالاً أدبيـّةً شتـّى ممـّا يحدث في سورية اليوم، الأديبة أحلام غانم أصدرت أوّل أعمالها الرّوائيـّة (في حضرة الرّصاص) والرّواية مستلهمة من واقع الإنسان السـّوري، وما يموج به من مشاعر وأحداث، تتمتـّع الرواية بأسلوب شعري في التصوير والإيحاء، وقد رأينا الكثير من الأعمال الرّوائيـّة وقد اتسمت بروح الشـّعر مما أضاف لها بعداً جديداً، وطبيعي أن يتسم الأسلوب الروائي لأحلام غانم بالسمة الشـّعريـّة، وهي التي عرفناها في دواوينها الشـّعريـّة، وسمعناها على منابر الثـّقافة تصدح بأشعارها للحبّ والوطن والحلم والحكمة، يقول أرسطو (على الفنـّان أن يترسـّم الواقع وينظر فيه، ثمّ يفكّ عناصره ويعيد تركيبها فنيـّاً) إنّ مهمـّةً كهذه تقتضي من المبدع امتلاك الذّكاء الفطري والثـّقافة الواسعة والقدرة الفائقة على المحاكمة العقليـّة، وجدارة في توليد الفكرة، إضافة لامتلاك الحامل (الـلّغة) والأدوات (تخيـّل، صورة، مقاربات أسلوب فنـّي…) غانم تعتمد ما ذكرنا كما تعتمد على حدسها في تحريض قلمها على الكتابة، كرّست الكاتبة آراء وأقوال الكثير من العظماء لتضع القارئ في جو من الأفكار المتشابكة، كما أنـّها تستلهم من الصـّوفية بحثهم عن الحقيقة وتستعين بأقوالهم في أكثر من مفصل في روايتها، كقول ابن الفارض (وخذ حبيبي ما أبقيتَ من رمقٍ لا خير في الحبّ إن أبقى على المـُهجِ) وقول جلال الدّين الرّومي (لا مكان لليأس هنا) نص الرّواية مأخوذ بالمنولوج لدى الكاتبة توال في الأفكار وتشابك في المشاعر حول الحبّ، الإرادة، الوطن، التضحية.. تقول (حتماً العشق يلوي المسافات بشكل مفاجئ كمن يلعب معنا لعبة الحياة والموت بمهارة، ويفاجئنا بطلقة يخفيها، في النـّهاية، رغم عدم ظهور مقدّمات لحدوثها)ص 35 كما نقع على عبارات دالة مثل (تجوُّلٌ فكريٌّ – رفع في يده شيئين أحدهما مسدس والآخر قلم– ثلج الخجل– تبويب وأرشفة هذا العالم– انفعال اللاشيء الذي هو كل شيء في لحظة الوعي- أبخرة الإحباط..)

تتحدّث الرّواية عما يجري في سورية من خلال توصيف أعمال الإرهابيين (هل التـّنكيل بجثث الموتى بات شريعة من لا شريعة له؟) ص 23 وضمن هذه المآسي المفجعة والمقضة للمضاجع ككابوس ألمّ أو كصاعقة لثمت الأرض حولنا تستمر معاناة الإنسان الاعتيادية الأخرى (كأنـّي أقبض ذات ليلٍ باردٍ على جمرة الوجد حين رحت أهزُّ شجر الوجود في طريق زوجين، كان ذراع كل واحدٍ منهما عصفور العشق لخاصرة الآخر، وحين أينع العشق انطلقت رصاصةٌ وأصابت كلّ العالم) ص 248 نرى أن الكاتبة تبتعد عن سردٍ يسير على قدمين فكأنما سردها الروائي يقفزُ عبر صورٍ شعريـّةٍ تلامس الواقع بالخيال، وتترك القارئ يترسـّم تطوّر الأحداث والأفكار، كما تشير إلى أحداثٍ سياسيـّة ذات بعد دلالي، مثل (رحاب طه، ضرب الصهاينة لسفينة الحرية، رمي جثث الشهداء في نهر العاصي، دور النفط والتطرف في الفوضى التي تعصف بالعرب، دور الصهاينة في تسويق الفوضى في البلدان العربية..) ونستشف رؤية الكاتبة أنّ المواطن العربي يهرب من واقعه منهزماً فيلوذ بأحضان الخراب، نقرأ في الصفحة 324 قل للذين يعلقون بالغيب أحلامهم، ويسعون في مناكب الشفق المنحور في بذخ التأمـّل عند فردوس الأمنيات، أنّ المساحات التي ضاقت بنا، قادرة على احتواء كل عاشق، ولكنـّها عاجزة عن إبقائنا حتـّى الرّمق الأخير، لقد كان نيتشه على حق عندما قال مات الله، ونحن الذين قتلناه)

للأديبة أحلام غانم العديد من المجموعات الشعرية والمقالات في الشأن الثـقافي، كما يسجل لها حضورها ونشاطها في المجال الوطني من خلال مجموعة (نساء سورية الخير)

البعث-  قيس محمـّد حسين