مساحة حرة

هل ينتظر الإبراهيمي مصير أنان؟

 في إحدى الجمل المعبرة التي أطلقت في مرحلة مبكرة من مراحل الأزمة السورية رفض السلطان العثماني وتابعه “أوغلو” الحوار بين السوريين، باعتباره “لن يتيح إيجاد حلّ للنزاع”..!! بحسب رؤيتهما، وتلك، والحق يقال، جملة بالغة الدلالة على الموقف الحقيقي لمحور الحرب على سورية، وتوضح بما لا يقبل الشك عمق تضرره، بدءاً من قيادته في واشنطن، وصولاً إلى أذرعه في عواصم المنطقة، من الحل السياسي السلمي.

لذلك لم يكن مفاجئاً لأحد مسارعة واشنطن وأتباعها في المنطقة لتفجير “جنيف2” ومحاولة إلغائه، عبر إعلان الأولى عن استئناف ضخ الأسلحة، ومحاولة الأتباع المحمومة لتوحيد بندقية القاعدة والوهابيون والمرتزقة، وكلهم واحد، ضد الشعب السوري، فحتى المسار السياسي الذي تكفل بقيادته “فخامة الرئيس” روبرت فورد رئيس وفد “الإئتلاف” الحقيقي، نحو التركيز على فهم خاص لفقرة واحدة من بيان “جنيف1” قافزاً على كل الفقرات السابقة لها، كان دليلاً على أن واشنطن وهي أحد الراعيين الرسميين لمؤتمر السلام، كما يفترض به أن يكون، لا تريد السلام، ما يؤكد مرة أخرى، للعالم كله، أن الحل الوحيد الذي تطمح إليه، وتطمع به أيضاً، ليس حل الأزمة السورية، بل حل “الدولة السورية” وتفكيك بنيانها الوطني، من أجل مشاريع طالما وقفت دمشق صخرة صلبة في طريق تحقيقها.

بيد أن واقع الحال يشير إلى أن هذا الحل الذي اعتقدت واشنطن، مخطئة أو مرغمة، أنه يمكن لها تحقيقه عبر “جنيف2″، لم يثبت فشله فقط، بل إن المؤتمر بحد ذاته انقلب وبالاً عليها وعلى أتباعها وخاصة في مجال تسويق صورة الضحية البريئة التي حاولت بناؤها طوال الفترة الماضية، فالوفد الذي ترعاه لم يكن أداؤه على ما تريد وتأمل، بل إن كل ساعة تمر تحت أضواء الإعلام العالمي المسلطة على المؤتمر تكشف المزيد من عوراته ومثالبه،

والتي كان أبرزها رفضه لقبول بيان واضح يؤكد على سيادة بلاده، هل هي بلاده حقاً ؟!!.. واستقلالها ورفض التدخل الأجنبي ومحاربة الإرهاب، ثم إنها تضيف إلى رصيد الوفد الآخر، وهو وفد الجمهورية العربية السورية، الذي بدأ بتسجيل النقاط ومراكمة الإنجازات منذ لحظة الافتتاح الأولى، ليس في السياسة فقط، بل في معركة كسب الرأي العام العالمي أيضاً، والذي كان لمدة ثلاث سنوات تحت سيطرة رأي واحد و”حقيقة” واحدة أريد لها أن تتسيد الشاشات كلها، وبالتالي الوعي الجمعي في المنطقة والعالم، وربما كان لرفض “الإئتلاف” الموافقة على مبدأ رفض التدخل الخارجي أثر في ذلك، فهو قد أظهر للعلن الحقيقة التي يعرفها الجميع ولكنهم يتسترون عليها، ومفادها أن هذه المعارضة التي بنيت منذ بدايتها على ركيزة التدخل الخارجي، لا يمكن لها أن ترفض أس وجودها الماضي وأساس بقاءها المستقبلي، وبالتالي فإن مجرد احتلالها مقعد المعارضة السورية في المؤتمر، هو بحد ذاته تدخل خارجي في الأزمة السورية. بهذا المعنى فإن التسليح الأمريكي وما يقوم به الأتباع، ليس إلا إطلاق نار مباشر على المؤتمر والحل السلمي أيضاً، وبالتالي فمن أفشل مهمة “أنان” سابقاً لا زال ينتظر “الإبراهيمي” ليلحقه بصاحبه، ومن أوعز بإلقاء تقرير الجنرال “الدابي” في سلة المهملات، يستعد لإلقاء المزيد من الزيت على النار السورية، ولأن الأمر كذلك، فقد أصبح الانخراط في الحوار الوطني الداخلي الشامل ودون شروط مسبقة، فرض عين على جميع الوطنيين السوريين، أو من يعرّفوا أنفسهم على أنهم كذلك، ولم يعد، بالتالي، ترفاً أو مناورة سياسية لموالاة أو معارضة، بقدر ما أصبح نداء وطن ومصيره، ما يعني ضرورة التخلي عن الشروط “النافية لوجوب” هذا الحوار، كما يقول أهل الكلام، فالمعركة اليوم هي معركة الحفاظ على الجسد السوري الموحد والمستقل، وقد خاضها أبناء هذا البلد مرات عدة على مر تاريخهم الطويل، وعليهم خوضها مرة أخرى، وإلا ..!!.

أحمد حسن