مساحة حرة

نيران صديقة.. لكنها قاتلة !!

 

ناظم عيد

لعلنا أكثرنا من استخدام مصطلح الإعلام المضلّل، وبعضنا –حتى من أوساط الإعلام الوطني– بات يغني المصطلح غناءً، في إشاراته إلى الضخ الإعلامي منقطع النظير الذي استهدف سورية، على التوازي مع آلة الحرب الفتاكة، ومع نشاط الإرهاب المسلّح الذي سعى لـ” ألا يبقي ولا يذر”.

إلّا أن ثمة سؤالاً يلحّ علينا منذ بداية الأزمة، أنتجته المجريات المنطوية في سياق تعاطي الإعلام “الوطني” مع الأزمة ومفرزاتها، والتي لا تصلح -لو أطلقنا العنان لخصلة سوء الظن التي تكمن في دواخلنا نحن البشر- للتصنيف إلّا في ركب الإعلام المضلل ذاته الذي نشتمه ونبغضه لأنه روّعنا كما فعلت ألسنة اللهب، وأزيز الرصاص، وضجيج قذائف الموت المستورد.

بعض إعلاميينا يلعن المتآمرين على سورية فرداً فرداً، ويسترسل في سرد فصول الأسف والتأسف، من جذوة الشر التي استجمعها العالم وأعاد دفعها نحو المضمار السوري، لكنه لا يتورّع عن “زف” خبر أزمة دقيق وخبز وشيكة، فيما الخبز يباع على الأرصفة، بغض النظر عن السعر، أو أزمة غاز تلوح في الأفق، والمادة متاحة لكل من يطلبها، أو نعي أصناف دوائيّة أساسية قبل أن تُعلن “وفاتها” رسمياً!؟..

أليس مريباً أن نصف الأخبار الكاذبة عن التفجيرات في سورية، بأنها أمر عمليات بعد أن تصبح صادقة عند وقوع التفجير، ويتجاهل بعض منتحلي صفة صحفي أن نبوءاتهم عن قرب فقدان مادة أساسية مُتاحة، تشبه تماماً “أمر العمليات” لتحقيق طلب احترازي وغير حقيقي عليها، فتحصل الضائقة ويحصل الاختناق؟!.

أزمتنا على مستوى السوق الداخلية، في جزءٍ كبيرٍ منها، نفسيّة المنشأ، معنوية المسار، مادّية التطبيقات، وهذا واضح وأكيد، ومن ينكر فهو مكابر ومخادع، يخدع نفسه قبل أن يحاول خداع الآخر، ويبدو كمن يغمر رأسه في الرمال عن سابق إصرار، فليرتنا كانت مأزومة بفعل فاعلين وليست متأزمة، وأزمة الخبز كانت أزمة أخلاق وليست مادّة، واختناقات المحروقات وحوامل الطاقة لم تكن اختناقات عرض بقدر ما كانت “اختناقات” ضمائر، بدا أصحابها كمن يرقص نشوان على جماجم العباد وأنقاض البلاد!.

الإعلام مرآة الحقيقة، ولا بأس مهما كانت عارية بمظهرها وجارحة بوقعها، وعندما ينحرف عن هكذا سياق، يستحق الوصف بالمنحرف، والانحراف توصيف قانوني لسلوكيّات تستوجب المساءلة والزجر، فإن استطعنا تحصين أنفسنا وشعبنا من سموم ينفثها في أنوفنا وأعيننا إعلام توافقنا على أنه مُغرض، وتكفل وعي شعبنا بسحب الثقة من رسائل الدمار والقتل، ومن يصوغها ويحملها ويوزّعها، نسأل من يحصّننا من “النيران الصديقة”؟!. من يكبح جماح غواية الاستعراض والظهور –ولن نذهب أبعد من ذلك- التي أسرت بعض الأقلام والهامات، في إعلامنا المحلّي؟!.

لا نتوهم بل ثمة قرائن “تتسلل” في سياق إرسال الميديا الداخليّة، من شأنها إثارة “أطنان” الريبة والدهشة، وزحام من الأسئلة حول الواقعية والموضوعية والدوافع، لأننا لم نستطع إقناع أنفسنا -رغم المحاولة- بأن كل ذلك يسقط سهواً!.

البعث