ثقافة وفن

الدراما السورية ومحمولها الفكري

لايختلف اثنان على الرسالة التي قامت عليها الدراما السورية منذ انطلاقتها، حيث قدم القائمون على صناعتها آنذاك أعمالاً درامية جدية وجريئة من حيث المضمون والمعالجة، بسبب امتلاكهم لمشروعهم التنويري والفني والإبداعي، ولكن هل تحتمل الدراما أن تكون حاملاً لفكر أيديولوجي يخضع للتحليل والتمحيص من قبل المشاهد السوري بشكل خاص، والعربي بشكل عام الذي يرى في الدراما مرآة تعكس واقعه، وتخاطب همومه ومشاكله، وبما أن التلفزيون الذي هو أحد أهم وأخطر وسائل الاتصال الجماهيري من حيث امتلاكه لإمكانيات وميزات يختلف فيها عن باقي الوسائل الاتصالية، وكونه يتوجه إلى كل الشرائح بلا استثناء، فإنه لايمكننا أن نحمّل المادة التلفزيونية  التي يمثل حاملها الأهم أكثر مما تحتمل من أفكار، وتحديداً الدراما حتى لو كانت الموضوعات المطروحة تستند إلى معلومات تاريخية أو توثيقية.

إن رسالة الدراما قائمة على السلاسة والبساطة ليفهمها المشاهدون بكل شرائحهم وأطيافهم، وعليه فإن الحديث عن “خطاب فكري” في الدراما السورية، يبدو عنواناً عريضاً وكبيراً على ما يقدم، وإن كان هناك بعض كتاب الدراما والمخرجين حاولوا في بعض أعمالهم أن يحملوها أبعاداً فكرية ربما تتوافق مع ما طرحه الباحث نزار إبراهيم في كتابه “الخطاب الفكري في الدراما السورية” حول الدراما السورية منذ بداياتها وحتى الآن، بأنه لايمكن للدراما أن تكون محايدة أو بعيدة في خطابها أو منفصلة عن الأفكار الثقافية والتخبطات الفكرية التي تعيشها منطقتنا العربية، خاصة وأنه كما ذكرنا آنفاً أن الحامل الأساسي لهذه الدراما هو التلفزيون الذي أصبح مصدر ثقافة لكثير من الناس، وهذا ما تؤكده قراءتنا للدراما السورية خلال مسيرتها التي تتجاوز النصف قرن، وما وصلت إليه الآن، إذ نرى تفاوتاً بين ماقُدم سابقاً وما يقدم الآن، وافتقار أغلب الأعمال إلى رسالة واضحة ومحددة، بل إنها  تطرح أسئلة دون أجوبة، ويترك الأمر للمشاهد يقرأ العمل حسب بيئته وخبرته وثقافته، ويحكم على العمل من خلال منظومته الفكرية التي تشكل الأساس المكون لعقله، ومن هنا نرى النهايات المتعددة والقراءات المختلفة لكثير من الأعمال الدرامية، حتى لو كان الكاتب يقدم هذه القراءات عبر رؤيته فقط.

ولعل من أهم سمات الدراما الآن وتحديداً بعد أن أصبح شهر رمضان سوقاً درامياً بامتياز أنها تحمل رسالة واضحة يفهمها الجمهور المتابع لها بكل مستوياته وأطيافه، وباعتبار أننا على أبواب موسم درامي جديد نتمنى من القائمين على عملية الإنتاج أن يتوخوا الدقة في اختيار الأعمال الدرامية في بعدها الاجتماعي والتاريخي والكوميدي، التي تعيد للدراما السورية مشروعها الإبداعي الذي فقدته بسبب تحوّل الدراما إلى سوق تجارية لعدم وجود تقاليد مهنية تحكم عملها حيث نرى كل من يملك رأسمال مهما كان محدوداً، يفكر أن يستثمره بالإنتاج الدرامي دون دراسة وإدراك لقيمة وأهمية ماسينتج لأن الربح هو الهدف الأول والأخير لمشروعهم.

البعث- سلوى عباس