الشريط الاخباريمحليات

سوق الهال بدمشق يبدأ بالفوترة.. والنتائج رهن الاستمرارية

رغم إجماع كل من يقصد سوقاً على أن الحلقات الوسيطة هي عقدة العقد ومكمن البلاء،  واعتراف الوزارات المعنية نفسها بذلك، رغم هذا لم تتمكن الأخيرة من التغلب على هذه العقدة، علماً أن تقليصها سيكون حلاً معقولاً لارتفاعات الأسعار، وبالتالي رحمة للمستهلك الذي لايزال ينتظر من حكومته قرارات تلجم سطوة التجار، خاصة القابعين في أسواق الهال.

غياب المعالجة تلك أرجعها المستهلك إلى، إما عجزاً أمام سطوة هؤلاء أو قصوراً أو تعبيراً عن وجود من يقتسم المصالح معهم داخل غرف القرار في الوزارات المعنية، لكن بعد أن علت أصوات ” تنفيذية ” مصممة على ردع المتلاعبين عبر نظام الفوترة في أسواق الهال، يمكن القول: إن التحدي بدأ أو أنها محاولة فقط ويكفي شرفها.

بقوة القانون..

موضة نظام الفوترة القديمة تتجدد سنوياً، وحديث تذكى ناره عند اشتداد المماحكات بين التاجر والمستهلك المغلوب دائماً، أمام حكم لايستطيع دخول حلبة المصارعة تلك  خوفاً من ضربات الأقوى، وحلته الجديدة هذا الموسم صدرت منذ أيام عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي صممت على تطبيق نظام الفوترة في أسواق الهال “بقوة القانون”.

قد تكون الوزارة المعنية المدركة أن جذر مشكلة ارتفاع الأسعار ينطلق من داخل أسواق الهال، وأن المعالجة يجب أن تبدأ انطلاقاً من ضرب رؤوس الاحتكار في هذه الأسواق، لكن المؤشرات لا تبشر بنتائج مرضية، ولاسيما أن التصميم حضر من قبل والتجار لم يكونوا متحضرين للانصياع لهذا الأمر، ثم أن لتطبيق هذا الموضوع مكونات تحتاج إلى حضور هي الأخرى، ولايكفي تطبيقها لخفض الأسعار وحرفها إلى مسارها الطبيعي.

ولا يرتدعون..!

يقول عضو المجلس الاستشاري لحماية المستهلك المحامي فاروق الرباط في تصريحه لـ”البعث “: تؤدي الفاتورة دوراً إيجابياً في المناخ الاقتصادي العام لجهة العلاقة بين الفعاليات التجارية، والعلاقة مع المستهلك النهائي، وتفعيل هذا النظام ذوالأهمية الاستثنائية في عملية التداول التجاري للسلع والبضائع في الأسواق الهائجة، يمكّن الجهات التنفيذية من أداء دورها المأمول في ممارسة الرقابة على السوق والتدخل عند الضرورة بهدف تصحيح الاختلالات الحاصلة، كما يساعد في بناء الخطط ومراقبة تنفيذها، وبناء نظام إحصائي دقيق، فضلاً عن زيادة التحصيل الضريبي والدفع نحو تحقيق العدالة الضريبية بين المكلفين.

ويضيف الرباط: الفاتورة  تمثل هوية للمنتج وتفيد جميع حلقات البيع والمستهلك، ولاسيما في الظروف الحالية، لافتاً إلى أن تحرير الفاتورة للمستهلك غير متبع في أسواقنا، فالبائع لايلتزم بذلك، علماً أن قانون حماية المستهلك رقم 2 لعام 2008 ينص على أن من لا يقدم فاتورة يغرم من 10-20 ألف ليرة سورية، لكن ما من أحد يرتدع.

من جانبها تحاول وزارة المالية تطبيق نظام الفوترة على عدة مراحل، لكنها لم تصل بعد إلى الأخيرة التي يسود فيها الالتزام التام بتداول الفواتير، رغم الحملات الترويجية التي نفذتها لخلق ثقافة حقيقية بهذا الشأن، فالثابت أنها استطاعت لفت انتباه الرأي العام لمدى الاهتمام الحكومي بهذه المسألة، ومدى الإصرار على عدم التنازل عن تنظيم الفواتير من الآن فصاعداً لكن نظرياً فقط.‏

لا يحرر..؟!

قد لا تنفع نوايا الوزارة الجدية بتطبيق نظام الفوترة بإنجاح هدفها، خاصة ضمن معارضة التجار المستميتة للتعامل بها، وفي النهاية تغلب رغبة التاجر نوايا الوزارة بقدرات خارقة، حتى بات التجار يمشون مع التيار عند الحديث عن تطبيق هذا النظام لأن الأمر لايكلفهم سوى الالتزام لمدة لا تتجاوز الشهر ومضايقة لا تشكل تهديداً لربحهم، على اعتبار أن عودتهم إلى كارهم الأساسي، وهي الربح الفاحش مضمونة وفي جيوبهم.يرى الرباط أن وزارة المالية تسعى إلى تطبيق التعامل بالفاتورة منذ عدة سنوات، ويترافق هذا السعي مع احتجاج التجار نظراً لوجود العديد من السلع المستوردة في الأسواق المحلية، دون أن يكون ذلك عقبة أمام تزويد تاجر الجملة وبائع المفرق بالفاتورة، مع تشديد العقوبات بحق الطرف الذي لا يقوم بتحرير الفاتورة.

فلتان..!!

يعدّ مشروع إلغاء الحلقات الوسيطة مشروعاً حكومياً قديماً جديداً، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تستطع حل “شيفرتها “، وبقيت عاجزة عن تنظيمها، وضبط أرباحها، كما أنه في العام الماضي تم تشكيل لجنة من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتنظيم أسواق الهال، عبرإحداث لجنة مركزية لتسيير شؤونها في المحافظات، على أن تقرها محافظة دمشق و تكون مرتبطة بالاتحاد، ويمكن أن يكون لها فروع في المحافظات وتكون هي المرجعية الأولى لمزاولة مهنة تجارة جملة للخضار والفواكه.

وكان من المتوقع عند تطبيق هذا القرار أن يعاد النظر بآلية عمل لجان أسواق الهال الحالية في دمشق والمحافظات، وضمان وجود ضوابط تحدُّ من جشع وطمع العديد من التجار والسماسرة، لكن “الفلتان” وصل إلى سقفه في هذه الأسواق.

الكلمة لمن..؟!

ليس من المبالغة القول: إن إجبار أسواق الهال على تداول الفواتير بداية موفقة في طريق طويل، وتحدٍّ كبير أمام الحكومة، وإن إعادتها إلى (الطريق القويم)، ستسجّل للوزارة إنجازاً عظيماً لأنها تكون قطعت أشواطاً بعيدة في تقليص فجوة أرهقت المنتج والمستهلك، وتكون قد وضعت يدها على الحلقة الأضعف في هذه الدورة الاقتصادية التي أصابت أسواقنا بخلل مزمن واهتزاز لا يمكن تثبيته بسهولة.

وعلى اعتبار تصويب عمل هذه الأسواق تحدياً، يأتي من (الحيتان) المتوقع أن يقفوا في وجه (الطامحين)، قبل أن ننسى كيف اصطدم موضوع نقل الأسواق المركزية خارج المدن (الذي لا ندري أين أمسى) بتزاحم اللاعبين وشدّ الحبل، وبلعبة التجار الكبار في مسألة اختيار المواقع الجديدة المناسبة لأسواق الهال العصرية، وكيف تحولت إلى مصالح شخصية وتحديداً لعبة تجارة العقارات، فالمواقع المقترحة سرعان ما أسالت أراضيها والأراضي المجاورة لها لعاب هؤلاء لتصبح أسعارها بالمليارات بعد أن كانت مهملة ومنسية، والتبريرات الجاهزة بيئية واقتصادية وقانونية وقنوات حكومية وقنوات دبلوماسية و”واسطات” أقوى من واضعي بعض القرارات أحياناً، فتجار سوق الهال، هم أكثر رجال الأعمال في سورية، بعداً عن دائرة الضوء، لكنهم كما يؤكد واقع الحال أكثر رجال الأعمال تأثيراً ونفوذاً.

البعث