مساحة حرة

من خفايا القرارات السعودية حول الارهاب ؟؟

د.تركي صقر

أكثر من قرار اتخذته  السعودية مؤخرا يخص مكافحة الإرهاب ظاهريا بدءا من محاكمة السعوديين الذين ينضمون الى الإرهابيين داخل المملكة وخارجها مرورا بإصدار لائحة بالمنظمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين  وصولا الى سحب سفيرها مع سفيري الإمارات والبحرين  من قطر على خلفية التنازع بين الطرفين على استخدام الأوراق الإرهابية  هنا وهناك ..  فهل يمكن ان تؤخذ هذه القرارات على محمل الجد والنوايا الطيبة للسعودية تجاه مكافحة الإرهاب ؟؟ وهل يمكن أن تبدل شيئا من نهج حكام السعودية القائم على تمويل وتسليح  ورعاية العصابات الإرهابية  ؟؟ تساؤلات عديدة تركتها هذه القرارات تشكك كلها في جدية المملكة ونواياها الحسنة في قطع علاقاتها بالإرهاب والإرهابيين ومراجعة سياساتها التخريبية  وتدخلاتها الفاجرة التي خلفت جرائم وفظائع لاتعد ولاتحصى في العديد من الساحات العربية ..

لاأحد يصدق ان المملكة التي ذهبت بعيدا والى ابعد الحدود ليس في دغم الارهاب فقط وانما في انتاجه وتصنيعه وتصديره ايضا يمكن ان تنبري الآن لمكافحته ومحاربته ..فهل هي صحوة ضمير وعودة الرشد وحساب الذات والنفس على كم الجرائم وحجم المآسي التي سببها تبني الحكم السعودي لنشر الارهاب التكفيري الظلامي واستخدامه  أداة قتل وإجرام متنقلة في مختلف ارجاء الوطن العربي .. ولا أحد يصدق ان يتوقف النظام السعودي عن دعم الإرهاب وتغذيته بالمال والسلاح فيما تستثني الأوامر الملكية الصادرة مجموعات عديدة من العصابات الإرهابية وفي مقدمتها مايسمى الجبهة الإسلامية التي كانت وراء تصنيعها بحجة انها معتدلة ..ومتى كان هناك قاتل معتدل وقاتل متطرف  ؟؟! ومتى كان هناك مجرم عادل ومجرم منصف مادام القتل والتدمير صنعة الأثنبن ؟؟!! ولاأحد ينظر الى القرارات السعودية على أنها تحمل شيئا من المصداقية فيما يقف سعود الفيصل وزير الخارجية مناديا في اجتماع مجلس الجامعة العربية الاخير بدعم العصابات الإرهابية في سورية وتزويدها بكل انواع الاسلحة حتى تتمكن حسب زعمه من تغيير موازين القوى على الارض ..

إن الأوامر الملكية السعودية لمحاربة الإرهاب لاتعدو كونها أوامر كاذبة ومخادعة ومجرد أقوال لاتقترن بالأفعال وينطبق عليها – كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لاتفعلون – بل هي تظاهر بفك الارتباط  بالجماعات الارهابية من اجل التعمية على عقود طويلة من الاندماج العضوي مع هذه الجماعات لتمرير أكذوبة إعلان البراءة من هول جرائمها التي ضج بها العالم من مشرقه الى مغربه وبات أمراء آل سعود المرعوبين من سقوط  العرش المتهالك على رؤوسهم لا يتحملون سيل الضغوط الداخلية والعالمية والحملات الشديدة ضد سياساتهم الإرهابية المكشوفة فجاءت القرارات لتجميل صورتهم القبيحة  دون ان تغير في واقع الأمر شيئا  ..

من اجل ذلك كان “قرار محاربة الارهاب” ، وهو القرار الذي لا يمت بصلة الى يقطة ضمير او تراجع عن الحرب العدوانية على سورية ، لان السعودية مستمرة في هذا العدوان حتى تتلقى اشعارا آخر من اميركا ، اذ لو كانت السعودية تريد وقف العدوان او محاربة الارهاب لما استمرت في احتضان ما يسمى ” الجبهة الاسلامية ” و هي المنظومة التي شكلها بندر قبل عزله لتكون جيش السعودية الارهابي الذي يقتل السوريين و يدمر ممتلكاتهم وتأمل ان تضم اليها تحت هذا المسمى كل أفرع القاعدة في سورية مما يسمى جبهة النصرة وداعش  وغيرها بعد ان انتهت صلاحية تلك الافرع المجرمة وفقدت بيئاتها وحواضنها ولم تعد صالحة للاستحدام بهذه الاسماء الملوثة بكل انواع الإجرام بعد الآن على الارض السورية ..

لقد أقم النظام السعودي الى اتخاذ هذه الخطوات مضطرا بعد ان فشلت عصاباته المجرمة ومنها مايسمى داعش والنصرة ومن لف لفهما التي هي بالاساس صناعة سعودية بامتياز  في تحقيق ما تريده المملكة من اسقاط سورية وفوجئ حكام المملكة بتفوق الدبلوماسية السورية في جنيف 2 وغياب اي مكسب لهم على الصعيد السياسي مما يعني استخدام ورقة الارهاب بطريقة جديدة ماكرة توحي للغير بانهم يحاربون التطرف الارهابي وفي الوقت ذاته يعملون في الخفاء على اعادة توحيد كل المجموعات الارهابية في جبهة واحدة على الساحة السورية .

إن القرارات السعودية لم تأت  إلا بعد ان فقد عرش المملكة العتيدة احترامه في الشارع العربي نتيجة وقوفه السافر إلى جانب العمل الإرهابي وبات معزولا ويعيش حالة حصار  إقليمية ودولية ويشهد حراكا وتململا داخليا يهدد بقائه واستمراره فكانت القرارات بمثابة محاولة وقائية لامتصاص النقمة العارمة وذر الرماد في العيون لصرف الأنظار عن حجم الويلات والكوارث التي نجمت عن السياسات الحمقاء  لإرهاب الدولة المنظم الذي انتهجته المملكة على امتداد السنوات الطويلة الماضية ..

على أية حال تحمل القرارات السعودية  قلقا عميقا والكثير من المخاوف فالمملكة أحست أخيرا بحرارة الموقف ضدها، أو التهديد المباشر على مستقبلها نتيجة بوادر ارتداد الارهاب اليها . فأتخذت سلسلة من الإجراءات لا شك أنها مترابطة وتهدف إلى أمر واحد: «الفرار من النار». وآخر حلقة في هذه السلسلة كانت الأمر الملكي بتحظير المنظمات الإرهابية، «داعش»، و»جبهة النصرة» اللتين تقاتلان في سورية ما يعني أنّ السعودية أعلنت أنها خسرت الجولة الأولى من الحرب منذ اضطلاعها بالملف السوري بعد سقوط دولة قطر وإدراتها ومِن خلفها كلّ الداعمين المعلنين والمتسترين ومن جانب آخر اعتراف ضمني بصلاتها السابقة بهذه التنظيمات  وجرائمها.

بالطبع لاتريد المملكة ان تعترف علنا بفشلها وهزيمنها بعد ثلاث سنوات امام صمود سورية شعبا وجيشا وقيادة وهي التي كان يردد زعيم ارهابها بندر بن سلطان ان السعودية لايمكن ان تتحمل خسارتها في سورية ولذلك جاءت هذه الأوامر الملكية لتغطي غلى الخسارة والفشل  ولتعيد في الخفاء التموضع من جديد لاستكمال حربها الارهابية في سورية بتشكيلات مختلفة عن التنظيمات التي حظّرتها وبما يتناسب مع المرحلة المقبلة التي سيتمّ فيها الاتكال على تشكيلات مسلحة منظمة لها طابع الجيش النظامي من خلال فصائل تمّ تدريبها وتجهيزها لتخوض الحرب على أسس مختلفة عن صورة المجازر التي قدمتها الجماعات الإرهابية التي باتت محظورة أخيراً والتي لا تستطيع أية جهة على مستوى العالم أن تتبنّى أفعالها الخطيرة ..

هذا الذي تخفيه القرارات السعودية ومهما كان الحشد الارهابي الجديد ومع عدم اتعاظهم من تجربة السنوات الثلاث الفاشلة لن يكتب له النجاح فالإخفاق ينتظره مرة أخرى ولامجال لتغيير ميزان القوى الذي يحلمون به على الارض السورية بعد الآن فسرعة الانجازات العسكرية للجيش العربي السوري وتعاظمها لن تترك لهؤلاء الواهمين بإركاع سورية وكسر إرادة شعبها وتحطيم شكيمة نظامها السياسي أية فرصة لإعادة عقارب الزمن الى الوراء ..

البعث ميديا