ثقافة وفن

ذكرى رحيل الشيخ صالح العلي تتصادف مع احتفالات الجلاء

يغيب عن أذهان السوريين وهم يحتفلون في شهر نيسان من كل عام بذكرى جلاء المحتل الفرنسي عن أرضهم أن أحد القامات التي صنعت فجر هذا الجلاء غادرت عالمنا في مثل هذا الشهر قبل 64 عاما في مصادفة شاءتها الأقدار ألا وهو المجاهد الشيخ صالح العلي.

ويرى الباحث شاهين شاهين مدير الثقافة بطرطوس والذي رصد كثيراً من الأشياء الأساسية في حياة المجاهد العلي الذي توفي في 13 نيسان عام 1950 أن هذا المناضل ترك أثرا كبيرا في بنية المجتمع السوري ثقافياً وبنيوياً ورسم أسلوب نضال يقوم على تفهم الخصوصية السورية وتنوعها.

ويشير شاهين في حديث خاص لـ سانا إلى أن المجاهد صالح العلي ولد في قرية المريقب التابعة لمنطقة الشيخ بدر عام 1885 في بيت تميز بالعلم والورع وكان والده علي سليمان أحد رجال العلم والدين زرع في نفس ولده حب التقى والوطن والحمية وكره الظالمين.

وكانت أولى بدايات الوعي الثوري والنضالي لدى مجاهدنا الكبير تصديه لقوات الاحتلال العثماني في منطقة الجبال الساحلية الذين كانوا يغيرون على القرى الآمنة ويعيثون فيها فسادا وقتلا وسرقة حتى أجبرهم على تغيير طريقهم.

ويبين شاهين أنه عقب رحيل الأتراك عن البلاد بسبب الثورة العربية الكبرى وقيام الفرنسيين بانزال جنودهم على الساحل السوري والكشف عن مضمون اتفاقية سايكس بيكو دعا المجاهد صالح العلي في 15 كانون الثاني عام 1918 إلى عقد مؤتمر مع شيوخ الجبل وزعمائه تقرر من خلاله رفض الاستسلام للفرنسيين والدفاع عن الحرية والوطن وإيكال القيادة للشيخ المجاهد.

ويتحدث شاهين عن تصدي الشيخ العلي ورجاله في 25 أيار من عام 1919 لحملة فرنسية والقضاء على عدد منهم وأسر عدد اخر كما دارت بين الجانبين معارك طاحنة دفعت الفرنسيين إلى المفاوضات في الشيخ بدر والاستماع لشروط الشيخ برفض فصل الساحل عن سورية والجلاء عنها وإطلاق سراح الأسرى.

ويوضح شاهين أن الشيخ العلي اضطر إلى نقل مقر الثورة إلى ريف اللاذقية حيث رفض مغادرة الساحل حتى رحيل آخر جندي فرنسي وخاض العديد من المعارك أهمها معركة وادي فتوح ومعركة وادي جهنم ومعركة الدويلية ومعركة رأس ماسم ومعارك البودي والأجرد ورأس الملوخ وواجه في إحدى المعارك مع رجاله الجنرال الفرنسي بولونجيه مع ثلاثين ألفاً من جنود الاحتلال مدججين بالمدافع والطائرات مكبدا اياهم خسائر في العتاد والأرواح.

وعن اتصاله وتعاونه مع المجاهد ابراهيم هنانو يفيد شاهين بأن الشيخ العلي أوفد في 10-شباط عام 1921 المجاهد حبيب محمود للاتصال مع ابراهيم هنانو وعرض حاجة الثورة في الساحل إلى السلاح وإلى رجال فنيين للمساعدة إدارة العمليات حيث زود هنانو الشيخ ما أمكن من سلاح إضافة إلى أربعة رجال ساعدوا الشيخ صالح بإدارة العمليات الحربية فضلا عن التنسيق بين ثورتي الشيخ العلي وهنانو وكثيراً ما كانوا يتصدون بشكل مشترك للقوات الفرنسية.

وظل الشيخ صالح العلي يشكل خطراً كبيراً على سلطات الاحتلال وحاولت اغتياله مرارا كما رصدت مبالغ وجوائز لمن يساعد على اعتقاله إلى أن رحل آخر جندي للاحتلال عن الأرض السورية.

ويبين شاهين أن الشيخ صالح العلي بعد انتهاء الثورة عاد إلى الشيخ بدر واستقبل فيها استقبال الأبطال وراح يعمل على تنشئة الجيل ومده بالعلم والمدارس ورعاية الأسر اليتيمة والفقيرة كما له العديد من القصائد الشعرية التي تميزت بطابع تصادمي ثوري كما جاء في قصيدة يوم ورور التي نظمها إثر معركة ورور التي قادها ضد الفرنسيين.. ويقول فيها..

شبح الموت صاح الله أكبر .. هاكم يا رجال باريس ورور

هاكم الصيد .. هاكم كل ليث .. عربي شاكي السلاح غضنفر

كما كرمه الرئيس الراحل شكري القوتلي في عيد الاستقلال عام 1946 في احتفال حضره أبطال الثورات السورية حيث ألقى كلمة بين فيها أهمية النضال المشترك من أجل طرد المستعمر والوصول إلى النصر ونوه بقوة بأس الرجال الذين وقفوا بجانبه داعياً إلى القيام بالواجبات المفروضة تجاه سورية وسائر أنحائها لإصلاح ما أفسده المستعمر.

ويوضح شاهين أن الشعراء والأدباء رصدوا كثيراً من مواقف الشيخ صالح العلي وبينوا ما قام به هذا الرجل من مواقف شجاعة ساهمت بطرد الفرنسيين كما فعل الشاعر محمد الشيخ علي الذي اعتبر أن لا شيء يمكن أن يصل إلى مستوى هذا الثائر وأمثاله كقوله في قصيدة الجباه العالمية..

تعد الجباه بأن تكون جبالا .. فعلى المرايا أن يكن صقالا

وعلى القشاعم أن تحلق عالياً .. وعلى القوادم أن يكن طوالا

هذا العرين محصن بليوثه .. سل ميسلون وناشد الأبطالا

سل عنه صالح والهنانو سلهما .. كم قارعاكم واثباكم صالا

ويرى شاهين أن قصيدة الشاعر محمود حبيب التي عنوانها اقرأ توضح أهمية هذا الجيل إذا تعلم النضال وعرف ثقافة وطنه وثقافة عدوه فقال..

ونحن يا سيدي الجيل الذي رضعت..نفوسه البعث ما شكوا بما نهلوا

إذا الرياح بجمع الخانعين سقت .. فنحن يا سيدي في وجهها الجبل

ويشير شاهين إلى أن الشاعر محمد محمود حسن رغب باعتناق المنظومة الاجتماعية والوطنية التي نهجها الشيخ صالح العلي والتي تعتبر ركناً أساسياً في بناء الثورة السورية حيث يقول..

فتق قميص الربى عن فتنة وحلا .. وجد في درب هذا الشيخ مرتحلا

واقرأ على بابه للحب فاتحة .. فقد بلغت على أبوابه الأملا.

وضمنت الشاعرة ليندا ابراهيم كما رأى شاهين كثيراً من العبارات التي تحرض على مواجهة الاحتلال والاستعمار والاقتصاص منهما بأسلوب استطاعت أن تكون عبره شخصيتها الخاصة وموسيقاها العذب كما قالت في قصيدة الشهيد..

يا أمة بالله عز شموخها .. وسمت بيارقها إلى عليائه

منك الهدى ولك الفدى حتى نرى .. الطفل الشريد يعيش في نعمائه

ويعتقد شاهين أن الشعراء الذين تطرقوا للشيخ العلي وبطولاته في شعرهم حاولوا أن يأتوا بأفضل ما لديهم من طرائق في الكتابة والسرد الأدبي وانتقاء الألفاظ التي حملت العاطفة وكانت البحور وروي القصائد والقوافي والمواضيع متماسكة ومتوازنة تتلاءم مع القيمة العظيمة لرجل من رجالات سورية الذين سجل أسمهم التاريخ.

 

البعث ميديا -سانا