مساحة حرة

تهديد مدفوع الثمن

قد لا تربكنا وربما لا تزعجنا حمّى السّعار الأميركي، والفوّهات العملاقة المفتوحة والموجّهة لضخ الّلهب باتجاه كل ما هو سوري بالانتماء وليس بمجرّد الهوية بمفهومها “الكرتوني”، لأن عقوداًً من الصراع قد تكفّلت بإكسابنا خبرةً رفيعة المستوى في “الّلعب مع الأفاعي الأميركية السامة”.

إلّا أنّ ما يؤسفنا ويقلقنا هو إدراكنا ويقيننا من أنّ كلّ عبارة وعيد أميركي واحدة يُطلقها “رعاة البقر” باتجاه دمشق، تُرتب دفعةً باهظة جديدة على الحسابات المفتوحة في مضارب “رعاة الإبل”، وأسفنا ليس من جذوة حرصنا على مصالح المتنكرين هناك بالزي العربي، بل لأنّ في مثل تلك المسرحيات المبتذلة اعتداءً سافراً على حقوق شعوب عربية محرومة من ثرواتها، كادت تودي بها يوميّات الفقر والعوز، وهي تعيش على “ضفاف” الفورات النفطية، وتعاين حقيقةَ الآبار الدفاقة إلى اتجاهات معلومة البوصلة مجهولة التفاصيل، فكلّ فاتورة تُسدّد للأميركي تعني أنّ ثمّة جياعاً جدداً انضمّوا إلى قائمة المسروقة حقوقهم هناك – بالمناسبة من المريب أن تنأى كل وكالات الأنباء وكاميرات التلفزة العالمية بنفسها عن تصوير ورصد تفاصيل حياة المحرومين وسكان الصفيح على أراضٍ تعوم على بحار من النفط والغاز- وهم بالملايين عددهم صاعد في متوالية زيادة مضطردة مع كل زيادة  في أسعار البترول عالمياً، والشواهد ماثلة لكل زائر يرغب بالمعاينة!!.

لقد كان لافتاً ارتفاع وتيرة التصعيد الأميركي ضد سورية عقب كل انتصار سياسي أو ميداني، ونعترف أنّ تساؤلاتٍ مُلحةً كانت تقفز إلى أذهاننا نحن السوريين، وربما إلى ذهن كل مراقب خارجي، وحيرة فيما إذا كانت دوائر السياسة الأميركية ساذجة وحمقاء إلى الحد الذي يدفعها للزج بنفسها في الرهانات الخاسرة تلو الرهانات، بشأن “المسألة السورية”؟!. فأحدث انتصاراتنا المشرّفة كان إنجاز استحقاق وطن، وبلورة حالة ديمقراطية مفعمة بمعاني إصرار الشعب السوري على خيارات السيادة الكاملة، وكان أحدث الردود الأمريكية، تصعيداً سافراً وإعلان نيات تسليح العصابات المسلّحة بأسلحة فتّاكة، ثمّ التلويح بمحاصرة البعثة الدبلوماسية السورية في الأمم المتحدة!.

ويبدو علينا هنا أن نسأل هل الأسلحة الفتاكة الأمريكية لم تصل إلى مخرّبي سورية بعد بما أنها وصلت إلى آل سعود؟ ولماذا هذا الإفصاح في هذا التوقيت بالتحديد؟، ثم ماذا عن محاولات التضييق على الدبلوماسيين السوريين في أروقة الأمم المتحدة وفي المدن الأمريكية، وعن أبعاد “الوعيد” الجديد؟.

نحن على يقين من أنّ كلّ ذلك “الصراخ” ليس لحفظ ماء الوجه فيما بات أشبه بمستنقع هزائم غرقت فيه الدبلوماسية الأمريكية إزاء تعاطيها مع الشأن السوري، فاعتبارات ماء الوجه لا ترجمة لها في قواميس من تملّكتهم البراغماتية الطاغية حتى ولو على حساب “معاني ومفاهيم الكرامة” كما نفهمها نحن الشرقيين، بل المسألة بشكلها وخلفياتها ابتزاز في ابتزاز، وخزنات أموال الخليج مُشرعة لتسديد عجوزات الخزانة الأميركية، التي أُعلن عنها على خلفيات أزمة الرهون العقارية التي ضربت الولايات الأمريكية، وتشظّت إلى أوروبا وباقي أصقاع العالم، ولابدّ من ذرائع استقطاب وشفط لموجودات “مشعوذي الخليج العربي”، وهذا مالم يخفه هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، عندما نبّه إلى أن “ثمة مليارات كثيرة في الخليج يجب ألّا نغفل عنها”.

مجمل الحراك الأمريكي بشأن سورية يأتي في خدمة مساعي” ترحيل” مليارات رعاة الإبل إلى مخابئ وزارة الخزانة في الحكومة الفيدرالية، واختلاسها من حكام هم أشبه بأخشاب مسندة، لا يجوز أن يبقوا بلا حجر قانوني لغياب الأهلية.

إنها سوق قرصنة عالمية مفتوحة على “أغبياء الخليج”… مفردات وجمل وتصعيد كلامي أجوف معروض للبيع، وحكام الخليج هم المستهلك النهائي، أما الفاتورة الباهظة فتدفعها شعوبهم دولاراً، فيما ندفعها نحن دماءً، لم تقلل من إصرارنا على المضي في مواجهة أخطر أشكال العصابات المتعطّشة للدماء.

ناظم عيد