اخترنا لك

«تلفزة» الإنترنت

 تداعيات اعتماد الإعلام التقليدي على مواقع التواصل الاجتماعي

 بدأت القنوات التليفزيونية – أرضية وفضائية – خلال الفترة الأخيرة تزيد من اعتمادها على إعادة بث مواد إخبارية ومقاطع فيديو وتغريدات النشطاء من مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت على شاشاتها، رغبة منها في تعزيز موقعها التنافسي مع تلك المواقع كوسائل إعلامية لقطاع الشباب الأكثر متابعة واعتماداً على تلك المواقع، على الرغم من أنه لا يوجد شك في أن كل ما ينشر في تلك المواقع موجه أو ملون بأهداف وأيديولوجية القائمين عليها، كما أن غالبية ما ينشر لا يمكن التأكد من صحته كون ناشره لا يهتم بأية اعتبارات مهنية أو موضوعية.

وقد بدأت حالة التداخل بين الإعلام التقليدي ووسائل الإعلام الالكتروني بمحاولة الإعلام التقليدي الاستفادة مما يتيحه الفضاء الإلكتروني من مزايا خاصة الانتشار بين فئة الشباب لإنشاء مواقع للقنوات التليفزيونية على شبكة الإنترنت تبث من خلالها ما تبثه على شاشاتها مباشرة، وهو الأمر الذي لم يفد القنوات التليفزيونية كثيراً. ومن ثم بدأت هذه القنوات في تخصيص جزء من بثها على الشاشة لنقل محتوى من مواقع التواصل الاجتماعي أو ما تبثه بعض المواقع الإلكترونية الخاصة ببعض الجماعات والحركات دون التحقق من صدقية ذلك المحتوى انطلاقاً من تصور أن ذلك ربما يجذب جماهير جدد للقنوات التليفزيونية وأن أهمية دور مواقع التواصل الاجتماعي في يسمى “الثورات العربية” تبرر نقل ما ينشر وما يقال فيها على شاشة تلك القنوات. إذ إن حقبة ما بعد “الثورات العربية” فرضت واقعاً جديداً لقدرة وسائل الإعلام الحديثة على منافسة وسائل الإعلام التقليدي، لا سيما المرئي منها الذي تفوق بدوره على المكتوب والمسموع، وفي هذا الإطار يعبر قول بيل جيتس رئيس شركة “مايكروسوفت” وأحد أبرز العاملين في مجال التكنولوجيا والإنترنت، بأن “من يسيطر على الصورة، يسيطر على العقول”، عن الواقع الحالي في العالم كله، في ظل التأثير المتزايد لوسائل الإعلام الحديث أو”النيو ميديا” القائمة بالأساس على مشاركات الأفراد لصور وفيديوهات لأحداث آنية يشهدها الشارع، في بث مباشر سواء على حسابات “فيس بوك” و”تويتر” أو عبر القنوات الخاصة على موقع “يوتيوب”.

من يقود من؟

وفي ظل تفوق وسائل الإعلام الحديث على وسائل الإعلام التقليدي في سرعة التقاط الخبر، سواء عن طريق صحفيين أو مصورين أو بعد ظهور فئة جديدة جرى تسميتها بـ”المواطن الصحفي”، لجأت القنوات التليفزيونية، لا سيما ذات الطابع الإخباري منها، إلى بث بعض المواد الإعلامية المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي، وموقع “يوتيوب”، وقد ظهر ذلك التوجه منذ تفجيرات 11 أيلول 2001، من خلال بث فيديوهات لقيادات تنظيم “القاعدة”، وبعض الجماعات الإسلامية، لكنه تبلور عقب الثورات التي شهدتها المنطقة، وأصبح سمة رئيسية للفقرات الإخبارية في العديد من القنوات، وبصفة خاصة مع تعثر وصول الإعلاميين للعديد من المناطق التي تشهد تطورات على الأرض، سواء كان ذلك لتصاعد حدة القتال أو لمنع السلطات التصوير والتواجد الصحفي، فكان الاعتماد في هذه الحالة على تصوير المواطنين للأحداث الميدانية، وبثها على وسائل التواصل الاجتماعي أو إرسالها عبر الإيميل لبعض القنوات الإخبارية، حيث تحول المواطن العادي من مجرد متلقي للأخبار إلى مشارك في توثيق الأحداث بالصوت والصورة عبر كاميرات الهواتف النقالة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الإحصاءات تشير إلى أن هناك أكثر من 40 مليون مستخدم لموقع “فيسبوك” في الدول العربية، و260 مليون مشاهدة يومياً على موقع “يوتيوب” مصدرها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن اللغة العربية تعد من أكثر اللغات نمواً على موقع “تويتر”.

 تأثيرات سلبية:

وعلى الرغم من أن نقل القنوات التليفزيونية للمحتوى الإعلامي المنشور على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من “فيس بوك” و”تويتر” و”يوتيوب” ومدونات شخصية، قد ساهم في مواكبتها لسرعة الأحداث وتطوراتها المتسارعة، إلا أنه وضعها في مأزق التحقق من صحة الخبر أو حقيقة الفيديو المنقول، أو حتى التصريحات المنقولة عن شخصيات عامة، وهل هي بالفعل صادرة عن حسابهم الخاص أم المختلق وربما المخترق. وقد برزت هذه الأزمة في العديد من التغطيات الإخبارية لما يجري في سورية ومصر، حيث ظهرت العديد من الفيديوهات المفبركة والملفقة عن عمد لدعم توجه سياسي معين. فيما ظهر في هذا السياق “بيزنس” جديد قائم على اختلاق الأخبار والفيديوهات والسعى لنشرها خدمة لتيار أو فكر بعينه وبالاستفادة من حالة السيولة الإعلامية التي باتت تعاني منها عدة دول في المنطقة بعد ما شهدته من اضطرابات.

ويمثل تأخر أو غياب خبر ما عن شاشات القنوات التليفزيونية في حين تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي، خصماً من رصيد هذه القنوات لدى المشاهد، وبصفة خاصة الذي يمتلك القدرة على متابعة المواقع الإليكترونية والباحث عن الخبر السريع على شبكات التواصل الاجتماعي، بينما لا زالت القنوات التليفزيونية والفضائيات أحد أهم وسائل تلقي الأخبار لدى فئة غير قليلة من الجماهير الذين لا يجيدون التعامل مع الإنترنت أو لا يملكون أجهزة إليكترونية بالأساس، وبالتالي تظهر الآثار السلبية لبث أخبار غير دقيقة عبر شاشات التليفزيون، نظراً لتأثيرها غير المحدود في بعض الفئات المجتمعية التي تثق في بعض الشخصيات الإعلامية وبالتالي فيما يقدمونه من محتوى. ولا يخفى أن تحقيق شرط التثبت من المحتوى الخبري المنقول من وسائل التواصل الاجتماعي، يواجه صعوبات عديدة، في ظل مناخ إعلامي يتسم بوجود عدد من المعوقات التي تحول دون الوصول إلى معلومة دقيقة في الأساس، حيث تسيطر الفوضى على مناخ الإعلام السائد حالياً، وتكثر فيه الفضائيات بشكل مبالغ فيه من ناحية، وتغيب الأطر التشريعية التي تكفل حق الوصول إلى المعلومة من ناحية ثانية، وتتصاعد الاضطرابات التي يشهدها الشارع وتمنع وجود وسائل الإعلام في بعض الأحيان من ناحية أخرى.

خلاصة القول إنه على الرغم من أهمية سعي وسائل الإعلام التقليدية لتحديث أدائها ومواكبة السرعة والحراك الذي تشهده مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإليكترونية، فإنه يظل من الأهمية أيضاً ألا يكون ذلك على حساب ثقة المواطنين في وسائل الإعلام التقليدية مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى. وفي كل الأحوال فإن “تلفزة” الإنترنت عموماً ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة، سيصب بكل تأكيد في صالح تلك الأخيرة ويعزز حضورها في المشهد الإعلامي بكل ما لهذا الحضور من تداعيات سلبية سواء على موقع أو حضور وسائل الإعلام التقليدية في المشهد الإعلامي، أو على مهنة الإعلام التي تعاني من الكثير من السلبيات في المرحلة الراهنة، وهي السلبيات التي تبقى المطالبات بإصلاح الإعلام في مقدمة أولويات عملية الإصلاح الشاملة التي ستتجه إليها نظم ما بعد الثورات في الدول العربية.

المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي (NCRO)