مساحة حرة

العدوان على غزة وتداعياته على الداخل الإسرائيلي ؟؟

   ليس من باب المصادفة أن يكون الطرف الإسرائيلي المعتدي هو من يطلب وقف العدوان وبدون شروط مسبقة، حيث وجدت الحكومة الإسرائيلية نفسها في ورطة حقيقية نتيجة الموقف الصلب للمقاومة الفلسطينية وقوة الردع التي فرضتها فصائل المقاومة الفلسطينية على سير المعركة، وبالرغم من بشاعة العدوان والمجازر التي طالت المجتمع المدني الغزاوي، فإن اعتبار المقاومة منتصرة هو أقرب للحقيقة، في الوقت الذي كانت تُناشد فيه إسرائيل حلفائها لتخليصها، استطاع الجانب الفلسطيني لملمة قواه السياسية والميدانية ووضع شروطه الخاصة التي يراها تخدم قضيته لوقف تلك الحرب الظالمة، بينما استمر المقاومون بالتسلل بين صفوف الجنود الصهاينة ومن تحت مواقعهم عبر أنفاق الموت المخصصة لدفن جيش الاحتلال المعتدي غير آبهين بآلة الحرب الصهيونية التي فشلت في تحقيق أهم أهداف الحرب، حيث لم تتمكن قوات الاحتلال من تدمير الأنفاق المعدة لحماية غزة، كما عجزت عن تجريد المقاومة من سلاحها الذي يردها باستمرار رغم الحصار الخانق الذي يُفرض على القطاع من كل الجهات.

  إن التدخلات العربية المذلِّة جاءت هذه المرة لحماية الكيان الصهيوني وتخفيف التداعيات العسكرية والسياسية والاجتماعية التي داهمت بنية الكيان الإسرائيلي بدون استئذان، وهذا ما صرح عنه عجوز السياسة الصهيونية ” شمعون بيريز ” خلال حديثه عن العدوان، عندما قال: “إن هذه هي الحرب الأولى التي تشنها تل أبيب وأغلبية العرب معها” في إشارة إلى حالة القطيعة المخططة التي فصلت بين العرب والمقاومة الفلسطينية بعد أن غدرت قيادة حماس السياسية بحاضنتها الأبدية سورية مقابل وجبة رفاهية محدودة الزمن والكمية وتحمل في طياتها الدسم والسم بآنٍ معاً، وهذا ما زاد في سعادة الضبع الصهيوني ” بيريز” وحاشيته المتعطشة لزهق الدم العربي بمناسبة وبدونها، سيما بعد أن تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية والغربية من إشعال فتيل النار في كل بيت عربي بمساعدة أنظمة عربية عميلة وأموال عربية ومنظمة تدَّعي زوراً أنها جامعة الدول العربية، تحت عناوين وتسميات مضللة وغادرة ” كالربيع العربي، والتحولات الديمقراطية وغيرها من التسميات الكاذبة ” مما أثار حالة من الحقد والتقوقع المحلي الناتج عن الترهل الهزيل في الجسد العربي الشعبي والإهمال المتعمد من قبل الحكومات العربية تجاه القضية الفلسطينية عموماً وما يجري في غزة بشكلٍ خاص، تلك البقعة الصغيرة الصامدة التي كشفت عورات العرب وعرتها على طبيعتها النتنة، وفضحت استسلامها الأعمى للمشروع الأمرو – صهيوني على طريقة النعامة التي تضع رأسها في الرمال..

  صحيح لم تعد ثقة الشعوب العربية بمشروع حركة حماس المقاوم بذات القوة والعنفوان بعد أن تبين لها مدى ارتباط الإسلام السياسي بالمخطط الغربي الهادف إلى تفتيت العالم العربي إلى كنتونات صغيرة طائفية وإثنية لصالح قوة واتساع الحركة الصهيونية في المنطقة، إضافة إلى أن هناك من يُشكك بمصداقية نوايا حركة حماس ودورها في تلك الحرب، لكن ذلك لا يعني بأن حركة حماس تمثل الشعب الفلسطيني بكل أطيافه ولا تُعبر عن تطلعات منظماتها الوطنية المقاومة الأخرى وهذا ما عكسه الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة والذي تم تسميته بقرار من الرئاسة الفلسطينية ويُمثل أغلب الفصائل الفلسطينية ،كما أكدته حالة  الدفاع عن غزة من قبل الأبطال المقاومين من كافة الفصائل الفلسطينية، وكانت تلك الحالة الوحدوية رسالة قوية للتعبير عن استمرار المقاومة الفلسطينية في نهجها وبرنامجها الوطني في مواجه العدوان وكل أنواع السيطرة و الاستيطان ، وهي رسالة للعالم برفض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية مهما أصاب الواقع العربي من تشتت وفقدان للبوصلة ، لذلك كانت تداعيات الحرب قاسية ومؤلمة على الداخل الإسرائيلي وحملت معها هزيمة عسكرية مؤكدة ظهرت جليلة بتفكيك فصيل إسرائيلي كامل من لواء ” جولاني ” وسجن جميع جنوده لرفضهم الأوامر العسكرية التي تلقوها بالدخول إلى حي الشجاعية الغزاوي بعد معارض ضارية أدت إلى مقتل وجرح العديد من زملائهم ، كما حملت الحرب هزيمة سياسية كبيرة ” لنتنياهو ” الذي حاول تجميل الفشل من خلال تصريحه : ” بأنه حقق أهداف العدوان وفي مقدمتها الخروج بعلاقة مميزة مع المملكة الوهابية في السعودية  ” في إشارة علنية للدور العميل للسعودية ونظامها الخائن.

   الحرب على غزة والمجازر الوحشية التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي جاءت في وقت يُحقق فيه الجيش العربي السوري إنجازات كبيرة وهامة على الساحة السورية ، ويُلحق الهزيمة بأعداء سورية وأعداء العروبة ويسحق الأدوات الإرهابية التي اعتمدوها لتمرير مشروعهم الاستعماري في سورية ، فكان الانتقام من غزة وشعبها الأعزل تعبير عن الفشل القاتل الذي لحق بآلة الحرب الاستخباراتية الصهيونية والغربية في سورية ، السؤال الذي لا بدَّ منه وهو في عهدة المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية : أين القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان من جرائم حكومة نتنياهو في غزة ؟ وهل ينتهي كل شيء مع إنجاز اتفاق وقف الحرب ؟  وإلى متى ستبقى إسرائيل المجرم المدلل عند الغرب ودول العالم صاحبة القرار ؟

 محمد عبد الكريم مصطفى