line1الشريط الاخباريثقافة وفن

عام على وداع من مزج البساطة والعمق لحد البراءة..الشاعر سليمان العيسى

“النادر في شخصية سليمان العيسى هو ذلك المزج العجيب بين البساطة التي تصل الى حد البراءة المطلقة وبين العمق الذي يجعله كنزا معرفيا وانسانيا وفلسفيا ولغويا يسير على قدمين” بهذه الكلمات لخص الدكتور معن العيسى تجربة أبيه الغنية التي تجعل قصائده راسخة في ذاكرة الأجيال خصوصا في الذكرى الأولى لرحيله والتي تصادف اليوم السبت.

وفي ثلاثة مجلدات صدرت قبل أيام أثبتت الدكتورة ملكة أبيض زوجة الشاعر الراحل وفاءها لرفيق الدرب من خلال جمع ما تفرق من شعره وكلماته وآثاره لتبقي الشاعر حاضرا ولتضع بين يدي القارئء السوري كل ما فاته من ابداعاته بعد أن وضعت خطة لنشر قصائده التي لم تنشر ولاعادة نشر تراثه كله مخلصة لأدبه أيما اخلاص.

وفي مقدمة كل عمل ضمته مجلدات الأعمال الأخيرة والتي يحمل معظمها عنوان /ثمالات/ يجد القارئ ما يرضي فضوله من خلال أقلام جهابذة الأدب والنقد الأدبي فيقول الناقد العراقي حاتم الصكر في مقدمة ثمالات 1 بالمجلد الأول أن سليمان العيسى لا يضع لعلاقته مع الشعر حدودا أو مراسيم أو قواعد بل يراه في كل لمسة ويعبر عنه بكل الوسائل فهو يكتب الشعر الموزون ويكتب الشعر الجديد كما يكتب الشعر المنثور بأسطر ذات ايقاع صوري ودلالي خاص ونراه حتى في شعره الموزون يحافظ على توزيع خاص به لينجز ايقاعا مميزا لقصيدته.. أيها الأحباء الشعر نبض الحياة العميق قمة كفاح الانسانية حين أتيح للكلمة أن تحمل جناحين أخذ الانسان يحقق معناه بدأ تاريخه الجميل

وتقول الدكتورة أبيض في مقدمة ثمالات 2 الذي صدر في اليمن عام 1998 ان الهم القومي كان يسيطر على كتاباته سيطرة شبه كاملة الا أن مر السنين أيقظ فيه مشاعر عميقة ازاء أشياء صغيرة لم يعرها في الماضي الاهتمام الذي تستحقه فلماذا لا يغنيها.. القصيدة تكون في اللون وفي الغناء في سكرة القبلة في غدائر امرأة في وقفة الشموخ والاباء وفي جنون الحب في هدأة المساء في نيران مدفأة في نقرة على ضلوع العود في غيمة ترحل ولا تعود وأضافت الدكتورة أبيض قائلة .. حين يزور سليمان العيسى أرضا عربية لا يذهب اليها سائحا أو متفرجا بل يوءمها ليلتقي أهلها ويشاطرهم معاناتهم ويملأ شعره بالأرض والناس وهكذا تفيض كتاباته بذكر المدن العربية وأهلها وأحداثها وذكرياته عنها ومشاعره تجاهها فتمر في ثمالاته ذكريات من بردى وجبل الشيخ وأبو ظبي وصنعاء.

ويقدم الدكتور عبد العزيز المقالح لثمالات 3 في المجلد الثاني بقوله .. هذا هو النهر الثالث من ثمالات الشاعر سليمان العيسى الذي اختار له عنوان /أحلام شجرة التوت/ وسوف تتبعه أنهار أخرى تفيض بها عبقرية هذا الشاعر المتجدد والذي أغنى الوجدان العربي بالجليل والجميل من الشعر والنثر وأطلق في كتاباته الابداعية الأسرار المخزونة في ضمير اللغة العربية وكان وسيبقى واحدا من الحراس الأمناء على أحلام الأمة وعلى الحرف العربي الأصيل.

ويرى أن شعر سليمان العيسى شديد الالتصاق به وبمواقفه وبأمته وهو منذ بدأ يداعبه عند مشارف الطفولة لم يكن غاية بل أداة تعبير عن انحيازه الفني والفكري والسياسي والاجتماعي الى الانسان بعامة والانسان العربي بخاصة .. هذا الذي يقاوم التشظي والتبعثر ويسعى الى خلق حالة من الوئام والانسجام مع نفسه أولا ومع وطنه الكبير ثانيا ومع عصره ثالثا فكان شعره معادلا لأحلام أمته وهمومها وكان شعرا للشعر وشعرا للحياة .. فهل عرفت الساحة العربية شاعرا كالعيسى في تعففه وزهده وترفعه عن الشهرة الزائفة والمجد الذي بلا ثمن.

ومن مرفأ الذاكرة يتحدث العيسى في ثمالات 3 عن بداياته قائلا .. كنت أخلو الى نفسي تحت شجرة التوت قرب الدار وأمسك بيدي ورقة وقلما ثم أحاول أن أقلد المتنبي وأن أقول شعرا مثله بعد أن أحسست أن في رأسي شيئا يلح علي أن أتحدى وأبدأ هذا الطريق وأن أقذف نفسي في المجهول في الشعر هذا الكائن الغريب

الذي كان كل من حولي من أبناء قريتي ينظرون اليه نظرة تقدير واجلال تصل الى حد التقديس .. أن تكون شاعرا يعني أن تكون متميزا قد خصك الله بهذه الهبة التي لاينالها الا النادرون .. وفي أقل من ساعة كانت بين يدي قصيدة من بضعة عشر بيتا نظمتها على وزن قصيدة لشاعر العرب العظيم ما أزال أذكر مطلعها..

ألا يا أزاهير الحديقة أشرقي لأنهل شيئا من شذاك وأستقي.

وفي مقدمة ثمالات 4 تقول زوجة الشاعر الراحل انه في أدب الأطفال اضطر العيسى لطرق موضوعات كثيرة تتصل باهتمامات الصغار وحاجاتهم فتحدث عن الطبيعة والألعاب والهوايات والأحلام والآمال كما نوع في طرق المخاطبة فقال الشعر وكتب المسرحية والقصة الواقعية والخيالية وترجم اعمالا أجنبية لاغناء هذه التجربة وسد الثغرات التي تراءت له فيها.

اني عصفور صداح اسمعني اسمي وضاح اسمي من ديوان العرب يسطع شعرا جدي وأبي أما ثمالات 5 في المجلد الثالث فقدم لها ايضا الدكتور المقالح عام 2004 واصفا شاعرنا الراحل بأنه شاب في عنفوان الشيخوخة وشيخ في عنفوان الشباب تمر من جواره السنوات كما تمر من جوار الأنهار والأشجار العالية فتزيده شعرا عذبا وغناء شجيا ليرسم بقصائده وكتاباته نماذج ابداعية كما يرسم بسلوكه وحياته اليومية نماذج أخلاقية ومع مرور الأيام تزداد علاقته بالشعر

قوة وعمقا وصفاء فلم يكن نتاجه الابداعي محصورا في جيل بعينه وانما هو متاح لكل الأجيال ابتداء من طفل الثالثة الى الفتى والشاب والكهل والشيخ ما يجعله شاعر الأمس واليوم والمستقبل.

غدا يبدأ الربيع في دمشق وتضج الأغصان بالزهر والورق سأمخر العباب غدا لأحط جناحي على أول ياسمينة تفتح لي ذراعيها.كما يضم المجلد الثالث ديوانا بعنوان /الكتابة بقاء/ قدم له الدكتور عبد الولي الشميري عام 2002 بقوله00سليمان العيسى شامي الديار والمنبت يماني الهوى والجوار نعمت به صنعاء رائدا من جيل الرواد الأعلام في تاريخ الأدب العربي الحديث والمعاصر وهو غير آبه لسياط الثمانينيات من عمره تتصاعد في أنفاسه نسمات الأمل لطباعة دواوينه الكثيرة التي لم تنشر بعد.

أما الديوان الأخير في المجلدات الثلاثة فهو بعنوان /وأكتب قصائد صغيرة لي ولها/ قدم لها الشاعر ببضع كلمات.. //كل كلمات الدنيا لا تملأ الفراغ حين يغيب من نحب// وكتب في ختامها.. أصحيح أنها قد صمتت وانتهت هذي الحكايات لديا لم تكن غير بروق ومضت أجمل الأسرار ماظل خفيا نحن كنا قصة لاتنتهي عانق العابر فيها الأبديا وفيما يشبه السيرة الذاتية يستعرض الشاعر الراحل في ختام المجلد الثالث بعض محطات العمر مستحضرا ذكرياته عن الأماكن التي زارها خلال تجواله في الوطن العربي والعالم من بيروت الى بكين الى اسطنبول وصنعاء والجزائر الى دبي والقاهرة وصولا الى نيويورك ومونتريا ل.. أحلم بالسفر خلف الغيوم والنجوم والقمر حول رذاذ الموج والمجذاف وراء هذا الصخر والهجير والجفاف.

يذكر أن المجلدات التي تحمل عنوان /سليمان العيسى.. الأعمال الأخيرة/ صدرت أواخر الشهر الماضي عن وزارة الثقافة الهيئة العامة للكتاب وتقع في 1675 صفحة من القطع الكبير قالت عنها الدكتورة ملكة أبيض ل/سانا/ انها تضم سبعة دواوين يحمل خمسة منها عنوان ثمالات أصدرها الشاعر العيسى عندما كان مقيما في اليمن خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته وانها قامت بجمعها وتنظيمها لتعريف القارئء السوري بها.

وكان الشاعر الكبير توفي في التاسع من آب عام 2013 في دمشق عن عمر ناهز اثنين وتسعين عاما بعد معاناته مع أمراض الشيخوخة في سنواته الأخيرة وبعد أن أثرى المكتبة العربية بأكثر من خمسين موءلفا جعلته يحتل مكانة مرموقة في الحياة الثقافية العربية ومن دواوينه /مع الفجر /اغنيات صغيرة /كلمات مقاتلة /أعاصير في السلاسل /ديوان الأطفال /أناشيد للصغار /نشيد الحجارة/.

 

البعث ميديا -سانا