ثقافة وفن

مشروع «شغف» الثقافي … تجربة محليّة نوعيّة ناجحة من «السويداء»

يدّفعهم حبّ الوطن وتقديم الفائدة لأجياله القادمة، ويزيدهم الأمل مع وجود نتائج يلمسونها في كلمة مشجّعة ونظرة مرحّبة من الناس والمرتادين والمهتمين، والمشروع يدعى “شغف”، والهدف هو الإخلاص للوطن شغفاً به، واحتراماً لتاريخه، وتقديساً لجماله. و هو مشروع ثقافي يتناول الأجناس الإبداعيّة المختلفة في الأدب، والمسرح، والموسيقا، والسينما، والفن التشكيلي، بالإضافة إلى نشاطات بيئيّة، وسياحيّة. و يعتمد على فكرة تمازج الفنون والإبداعات المتنوعة. كما يعتني المشروع بالأطفال من خلال النشاطات الخاصّة بهم، و هي: القارئ الصغير، والعازف الصغير، والرسام الصغير، وحكواتي شغف. بالإضافة إلى نشاطات ثقافيّة و ترفيهيّة أخرى تقدم ضمن برنامج تفاعلي يشرف عليه مختصون.

من أين جائت الفكرة وكيف تمّ تطبيقها وعن تطورها ونموّها حدثنا رئيس دائرة المراكز الثقافيّة في محافظة السويداء “منصور حرب هنيدي” فقال: “بدأ الحلم منذ مطلع التسعينات، وكنت أسعى ليكون نشاطاً ثقافياً في العاصمة “دمشق” في أحد البيوت الشاميّة القديمة، وذلك في فترة ازدهار المقاهي الثقافية في دمشق، ولكن كان أنّ انتقلت للعمل في المركز الثقافي في مدينة السويداء، ثم شائت الظروف في العام 2013 أنّ ألتقي بموظفة في المركز ذاته “ياسمين أبو فخر” قدّمت فكرة معرض الكتاب التبادلي ـ كتابك القديم هو كتابي الجديد ـ فكُلفت من إدارة المركز  بالإشراف على تنفيذه، وتناقشت معها في ذلك، وفي نفس الوقت عاد الحلم القديم والرغبة في تقديم مشروع ثقافي يقدّم الفائدة للناس، فمن الممكن إضافة نشاطات مرافقة من سينما، ومعرض فني، وموسيقا… وهكذا بدأت الفكرة بالتطبيق في تموز 2013 مع اختيار اسم “شغف” له”.

يقاسُ نجاح مشروع شغف بردّة فعل الناس عليه، وفي ذلك أضاف “منصور حرب هنيدي”: “بالرغم من الظروف التي تمرّ بها سورية كان الإقبال كبير، فالمسرح ممتلئ دائماً، والقاعات تعجّ بالزائرين، ولذلك أقوم بأرشفة وتوثيق كلّ دورات “شغف” منذ الدّورة الأولى وحتى الحاليّة. و قد تمّ تنفيذ 15 دورة لغاية الآن، حيث تقام الفعّاليّات في الأحد الثاني من كلّ شهر، و لمدّة خمسة أيّام في المركز الثقافي العربي في “السويداء”.

معرض الكتاب التبادلي فكرة جميلة، لها وقع ناجح وفي كلّ دورة تستقطب القرّاء، وقد  ألّغت فكرة الكتاب مقابل المال بل كان الكتاب مقابل الكتاب: “الفكرة الأساسيّة للمعرض هي تقديم كتاب جيّد ليأخذ الزائر كتاب جيّد آخر، فهناك لجنة تدرس موضوعات الكتب المقدّمة، والبعض فهم الآلية أنّ يتخلّص من كتبه السيّئة ويحصل على الجيدة، ولكن ذلك سيُفشل المعرض من دورته الأولى، ولذلك قسّمنا الكتب إلى ثلاث فئات ـ أ، ب، ج ـ فالفئة “أ” تضم (الموسوعات، القواميس، والتراث، وأمّهات الكتب، والأعمال الكاملة) أمّا الفئة “ب” فتضمّ (الدراسات الأدبيّة والعلميّة، والروايات، والدراسات المسرحيّة)، والفئة “ج” قسّمناها إلى ثلاثة أقسام أيضاً الأوّل (سلسلة الدوريّات، والمجلات) والثاني (قسم المناهج المدرسيّة، والجامعيّة)، والثالث (المجموعات الشعريّة، والقصصيّة، والكتب الصغيرة). والدعوة مفتوحة لدور النشر كي تساهم وتشارك معنا، وقد ساعدنا “اتحاد الكتاب العرب” بمجموعة من الكتب لتأسيس هذه المكتبة، ولتشجيع الناس على المساهمة”.

يحتاج المسرح لتمويل ودعم مادي لكن بالرغم من قلّتها تمّ إيجاد حلول مؤقتة أشار إليها رئيس دائرة المراكز الثقافيّة: “الفرجة المسرحيّة خُصصت فقط للأطفال في البدايات وضمن ما يدعى “الحكواتي” بالتمازج مع فعاليّة القارئ الصغير. وفيها عناصر عرض مسرحي، واستحضار لشخصية الحكواتي، وساعدنا في ذلك مجموعة من فناني المسرح مثل “مجلّي أبو شاهين” و”وجيه قيسيّة” وغيرهم لإنجاح العروض المسرحيّة ـ أتوجّه بالتحيّة لهم ـ وبعد انتهاء العرض تقام ندوة حواريّة بين الأطفال وأحد الفنانين. فيما بعد أطلقنا ورشة الكتابة المسرحيّة، كفرصة لللقاء وتبادل الخبرة والآراء، وتأسيس نواة نادي الكتابة المسرحيّة لتقديم نصّ مسرحي محلي، وقد شارك فيها عدد من الكتّاب والمسرحيين المعروفين على مستوى المحافظة “معن دويعر، نورس الملحم، فرحان ريدان، عهد مراد، وناهي وردة” وغيرهم. أمّا النشاط السينمائي فيقتصر حالياً على عروض الأفلام المأخوذة عن أعمال روائيّة أو سيرة ذاتية لأحد المبدعين”.

في “شغف” أيضاً فعّاليّات موسيقيّة متعددة الجوانب ذكرها “منصور هنيدي”: “أقمنا حفلات لفرق موسيقيّة، ومجموعات العازفين في المحافظة، واليوم الدعوة مفتوحة لاستقبال موسيقيين من خارجها، ووجدنا مواهب رائعة لأطفال بعمر 4 ـ 5 سنوات. وخلال الدورات السابقة لشغف أطلقنا فعّاليّة العازف الصغير، بإشراف الفنان “أدهم عبيد” وشكلنا فرقة “براعم شغف للموسيقا” من هؤلاء الأطفال المميزين والموهوبين. وهناك تعاون بيننا وبين معهد “فريد الأطرش” وجمعية “أصدقاء الموسيقا” ومعاهد خاصّة. ونعمل اليوم على إقامة دورات موسيقيّة تقام للأطفال والموهوبين. أيضاً أطلقنا في الدّورة الأخيرة “المكتبة الموسيقيّة” وهي على مستوى المراكز الثقافيّة فعّاليّة نوعيّة غير موجودة تعنى بجمع التراث الموسيقي العربي والعالمي، وأصبح لدينا مئات المصنّفات بين أيدينا. أمّا فعّاليّة “بيت العود في السويداء” فهي معهد لتعليم العزف حسب منهج الفنان “نصير شمّا” وحتى التسمية جاءت تقرباً من “بيت العود في القاهرة”، وفي هذا المعهد أنشئنا ورشة تصميم العود الدمشقي ضمن أصول العمل القديم دون تدخل الآلات الحديثة. ومن النشاطات أيضاً مسابقة “شغف للموسيقا” والعزف على الآلات، فهناك لجنة تدرس المواهب وما يقدّمه المتسابقون، وتمنح التقدير والجوائز الرمزيّة للفائزين بالمراتب الثلاث الأولى في العزف، كما تضمّ نشاطات الدّورة الأخيرة إعلان مسابقة التأليف الموسيقي، إضافةً لإقامة أربع حفلات موسيقيّة.

لمشروع “شغف” الثقافي عناية خاصّة بالتشكيل شرحها لنا “منصور حرب هنيدي”: “قدّمنا فكرة المزج بين الأجناس الإبداعيّة مثل معرض “لوحة وقصيدة” والقصيدة يمكن أنّ تكون بصوت أحد الشعراء أو من الممكن أنّ تكون مكتوبة، وقد أحبّت الناس الأفكار  وراقت لهم. ومن الفعّاليّات التشكيليّة لدينا فعّاليّة “الرسام الصغير”، وإقامة دورات للرسم والتصوير، ومعرضاً للوحات التشكيليّة، وفي المعرض الأوّل شارك معنا نحو 20 فنان من السويداء، وفي المعرض الثالث قدّمت أسرة “بلان” معرضاً خاصّاً بأبنائها، وفي الرابع كان خاصّاً لمجالي التصوير والنحت في المخلّفات المعدنيّة. والمعرض الخامس كان لمجموعة من طلاب كليّة الفنون الجميلة في السويداء وهكذا في كلّ دورة لدينا الجديد”.

في نهاية تغطيتنا أشار هنيدي إلى ببعض الأفكار التي تخصّ نشاط المشروع: “نفذنا نشاطات لا تحتاج إلى تمويل لذلك يمكن القول بأنّنا نفذنا ما بين 15 ـ 20 بالمئة فقط من نشاطات مشروع شغف، فالتمويل غير متاح حتى اليوم، ولو كان التمويل موجود لكانت إمكانيّات المشروع أكبر من ذلك بكثير، ولكانت النتائج حاملةً لصدى أكبر أيضاً. وجميع من يعمل في المشروع هو متطوع يعمل بحبّ وتفاني ومن دون مكافئات وأجور ماديّة فالناس مندفعة للعمل والعطاء”.

            البعث ميديا ـ عامر فؤاد عامر