مساحة حرة

الحرب الافتراضية ..والنهج الثابت !!

لم يكن تشكيكنا في صدق النوايا الأمريكية من حربها الافتراضية على الإرهاب في كل من سورية والعراق ناتج عن مجرد مواقف عدائية للدولة العظمى التي تقود الحملات الاستعمارية الجديدة ضد شعوبنا الفقيرة التي حاولت شق طريقها نحو التنمية الوطنية وبناء الذات بالارتكاز على القدرات الوطنية البحتة بعد قرون من الاحتلال والقمع ، وفي مقدمة تلك الدول كانت سورية التي احتلت موقعاً مميزاً في العقود الأخيرة بين الدول النامية واستطاعت تحقيق اكتفاء ذاتي على أغلب المسارات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية إضافة إلى فرض مكانة ودور مميز على الساحة الإقليمية والدولية ، بل جاء نتيجة طبيعية للنهج الأمريكي الثابت تجاه قضايا المنطقة العربية ولو تغير التكتيك من إدارة إلى أخرى وفق الدولة المستهدفة ، وذلك باعتماد المعيار المتحول الذي يتحرك وفق ما تقتضيه المصالح الحيوية لأمريكا ولحليفها الإستراتيجي الوحيد في المنطقة الكيان الصهيوني الغاصب ، لذلك نرى بأن الإدارة الأمريكية تسعى في كل تحركاتها ومواقفها المعلنة والمبيتة على مدى التاريخ الحديث على وضع أمن وتفوق إسرائيل على جوارها في مقدمة أية تحركات سياسية أو عسكرية تقوم بها، متجاهلة كل القوانين والمواثيق الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول وتحدد إطار تلك السياسات ، ضاربة بعرض الحائط منظومة العمل الدولية وأسسها الأخلاقية والإنسانية المفترضة.

يؤكد وزير الخارجية الروسي ” سيرغي لافروف ” في مؤتمر صحفي عقده على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك على عدم صوابية النهج الأمريكي في مواجهة الإرهاب ، حيث قال : “يجب التنسيق مع الحكومة السورية ولو جاء ذلك متأخراً في مجال مكافحة الإرهاب ..لأن استثناء الحكومة السورية من مواجهة الإرهاب على أراضيها هو انتهاك للقانون الدولي وتقليل من فاعلية هذه المواجهة ” ، لكن ما تخطط له الولايات المتحدة تجاه سورية هو عملية تدخل لتحقيق أهداف عدوانية من خلال احتواء التنظيمات الإرهابية وإعادة تغيير التسميات والألقاب على أنها ” معارضة معتدلة ” ، وليس في نيتها القضاء على الإرهاب أواجتثاثه من المنطقة ، حيث يقول قائد الجيوش الأمريكية الجنرال ” مارتن ديمبسي ” : ” إن التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية ” داعش ” يتطلب قوة سورية معارضة تضم ما بين 12 – 15 ألف مقاتل …” ، أي ثلاثة أضعاف عدد المقاتلين الذين وافق الكونغرس الأمريكي على تدريبهم وتسليحهم من قبل الاستخبارات الأمريكية بتموين واحتضان سعودي ، من أجل إعادة تموضع في الأراضي التي تسيطر عليها ” داعش ” ، مؤكداً أن هذا يتطلب استمرار الضربات الجوية لمدة تزيد عن ثلاث سنوات قادمة ، إذا الخطة الأمريكية تسير باتجاه استثمار مواجهة التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية وليس بهدف القضاء عليها لصالح الحكومات الوطنية الشرعية .

السؤال الذي لابد منه في ظل تداخل الأحداث وتعقيداتها المتلاحقة وتنوع الأوراق هو : من هي الجهة التي ستلجم الطموحات الأمريكية الساعية لتدمير المنطقة وتغيير أنظمتها السياسية بالقوة خاصة في سورية التي شكلت العقدة الأصعب في وجه تشكيل ” الشرق الأوسط الكبير ” ، سيما وأن هناك حديث يتكرر في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية للدول المعادية لسورية عن إقامة مناطق عازلة في شمال شرق سورية بناءً على مطالب السلطان العثماني الجديد ” رجب طيب أردوغان ” و بالتواقت مع مطالب إسرائيلية بمنطقة عازلة في الجنوب السوري ، وهذا ما صرح عنه كل من وزير الدفاع الأمريكي ” هايكل ” ورئيس الأركان “ديمبسي ” حيث قالا : إن الإدارة الأمريكية لا تستبعد إقامة منطقة حظر طيران فوق شمال شرق سورية لحماية المدنيين من طائرات النظام السوري ” ؟ !

لقد أثبتت الضربات الجوية لما يُسمى بالتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة عدم جدواها الفعلي على الأرض ، إلى درجة جعلت بعض المتابعين يصفونها وكأنها تتم بالتنسيق مع التنظيمات الإرهابية ذاتها ، بالرغم من المبلغ الخيالي لكلفتها ( مليار دولار شهريا ) ، واعتبرها آخرون بأنها عملية مناورة والتفاف على القرارين الدوليين 2170 و2178 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه ، وحتى لا يتسببان بالحرج للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة الذين ساهموا في إنشاء وتدريب وتسليح التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها ” داعش والنصرة ” والهروب إلى الأمام بإعادة تنظيم هؤلاء الإرهابيين تحت أسماء جديدة وبعباءات مستحدثة ..

لقد أدركت الحكومة السورية مخاطر هذا السيناريو بكل أبعاده وامتداداته ، ونسقت مع شركائها الحقيقيين ( إيران وروسيا والصين ودول مجموعة البريكس) لمواجهة الدور الأمريكي التخريبي المعد للمنطقة تحت أي مسمى كان ، مؤكدين في الوقت ذاته على السير ضمن خطين اثنين لا ثالث لهما وهما الاستمرار في محاربة الإرهاب حتى تنظيف أخر شبر في سورية من براثنه ، والتمسك بالحل السياسي السلمي للأزمة السورية بين السوريين أنفسهم وعلى الأرض السورية ، وذلك وفق رغبات وطموحات الأغلبية الواسعة من الشعب السوري الذي اختار قيادته بملء إرادته للمرحلة القادمة وبطريقة ديمقراطية لا غبار عليها عندما انتخب السيد الرئيس بشار الأسد لولاية دستورية جديدة بأغلبية كبيرة ، وأي توجه آخر يتناقض مع هاتين الطريقين لن يُكتب له الحياة بالمطلق ..

 

محمد عبد الكريم مصطفى