خطة لتوجيه «النزاع» وليس «تجميده»، وإلاّ فلا …
ظهرت منذ أسابيع ملامح خطة أممية – غربية قيل أنها تهدف إلى إنهاء «النزاع» في سورية وتمهيد الأجواء لحل سياسي بمشاركة الأطراف كافة .. الخطة التي يحملها المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا إلى دمشق كان عرضها على مجلس الأمن وحاول الترويج لها عبر وسائل الإعلام الغربية متكئاً على دعم فرنسي وربما أمريكي ظهر جلياً في مقالة نشرها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بالتزامن في صحيفة لو فيغارو الفرنسية واسعة الانتشار وفي صحيفة واشنطن بوست الأمريكية المعروفة أيضاً، وإن بنوايا مختلفة ربما..
فهل الخطة من وحي أفكار المبعوث الدولي؟ أم أوحيت إليه من صناع القرار في الغرب؟ العليم بخفايا علاقة الأمم المتحدة بالغرب وهيمنته المطلقة على المنظمة الدولية لا يحتاج إلى كثير من التفكير حتى يحسم الأمر.. فالمبادرة جاءت على ما يبدو من وحي لجنة أطلق عليها اسم «مجموعة توَسُط» أوروبية أعدت تقريراً حول خطة لمعالجة الوضع في سورية، بتمويل من نحو عشر حكومات أوروبية وآسيوية على ما ذكر الكاتب الأمريكي ديفيد اغتاتيوس في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
فهذه اللجنة بحسب إغتاتيوس رأت بعد دراسة ميدانية ولقاءات مع مختلف الأطراف داخل سورية أنَّ الحل في المدى القصير ليس مرحلة انتقالية ولا مشاركة سلطة، وإنما «تجميد الحرب» كما هي الآن، يليها «إجراء انتخابات محلية ومن ثم انتخابات وطنية».
ربما تكون الخطة «تجميد الحرب أو النزاع» غير واقعية وغير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، لكن الحماس الغربي لها يثير الشكوك والهواجس حول شياطين الأهداف غير المعلنة التي قد تحملها الخطة. فالكل مجمعٌ على بدء تطبيق الخطة من مدينة حلب!! المبعوث الأممي أكد في تصريحات صحفية أن تنظيم “داعش،” يتقدم باتجاه حلب، وبالتالي هذا الأمر يشكل فرصة للمجتمع الدولي لإيقافه. كيف؟ يقول دي ميستورا… عبر «تجميد القتال في أماكن أخرى حتى نتمكن من التركيز على هذا التنظيم، وحلب هي إحدى المدن التي يمكن تطبيق ذلك فيها» لكن لماذا ليس حمص مثلاً؟ حيث لم يبق في المدينة من مشكلة سوى حي الوعر ؟ لماذا لا يكون البدء من هذه المدينة؟ .. لماذا ليس من درعا؟؟
الجواب يكمن ربما في مقالة وزير الخارجية الفرنسي الذي دعا التحالف الذي تقوده واشنطن وتشارك فيه بلاده إلى «توجيه اهتمامه لإنقاذ حلب المحاصرة من معظم الجهات»، فهو وإن لم يقل صراحة أنها محاصرة من قبل الجيش العربي السوري الذي يطبق الحصار على المجوعات المسلحة في المدينة، لكنه لم يستطع أن يخفي قلقه وخشيته من أن تمنى المجموعات المسلحة الإرهابية في مدينة حلب بهزيمة نكراء على يد الجيش العربي السوري وبالتالي تقويض الأوهام والرهانات التي عاشت وتعيشت عليها الدول الغربية طوال أربع سنوات في حديثها عن «معارضة مسلحة معتدلة» ينبغي دعمها لمواجه الدولة السورية.
فما أخفاه ربما دي ميستورا أظهره فابيوس في مقالته.. فالقلق ليس على حلب وأبناء حلب، وليس من داعش نفسها، لكنه قلق على مصير المجموعات المسلحة التي يراهن عليها الغرب في انتزاع أوراق وتنازلات من الدولة السورية في أي عملية سياسية تفاوضية مقبلة.
يقول فابيوس في مقالته .. «إن التخلي عنها(حلب) يبدد الآمال في إيجاد حل سياسي» للحرب في سورية وأن فرنسا لا تستطيع «التخلي عن الحلبيين إلى هكذا مصير» والسؤال الذي يطرح نفسه أين كانت فرنسا والتحالف مما تعرض له الحلبيون على يد المجموعات الإرهابية منذ ثلاث سنوات، حتى يستفيق اليوم فابيوس ويقول أنهم لا يستطيعون التخلي عن الحلبيين؟؟ أليسوا هم من مول وسلح هؤلاء ليمارسوا أبشع أنواع جرائم القتل ضد أبناء مدينة حلب؟
المتابع للشأن السوري سمع بمثل هذه الطروحات من قبل تحت مسميات مختلفة، مرة هدنة، ومرة وقف إطلاق النار، وأخرى ممر إنساني لإدخال مساعدات إنسانية، من حمص إلى داريا فالمليحة وقبلها بكثير في دير الزور و…. هذه الطروحات بدأت مع دخول بعثة مراقبي الجامعة العربية، واستمرت مع بعثة المراقبة الدولية ومع الأخضر الإبراهيمي ولن تنتهي اليوم مع دي ميستورا… والرابط الأساسي بين هذه الأفكار أنها كانت تطرح في كل مرة تصبح فيها المجموعات المسلحة في حالة ضعف وعلى وشك الانهيار أمام الجيش العربي السوري.. ليتبين أنها ليست سوى غطاء لاستعادة المسلحين أنفاسهم والحصول على إمدادات بالسلاح والمسلحين..
لكن لنعترف أن في الخطة المطروحة ذكاء ودهاء غربي، يكمن في محاولة استنساخ نموذج المصالحات التي تجريها الحكومة السورية في بعض المناطق «بالشكل طبعاً» طمعاً بقبول سوري لها، فهل تقبل دمشق؟ .. المطلعون على طريقة تفكير القيادة السورية يقولون أن سورية لن ترفض الخطة، ولكنها لن تقبلها كما هي أيضاً.. فهل تستطيع أن تطوعها على غرار المصالحات التي تجريها؟؟ أم ينجح الدبلوماسي السويدي العتيق في انتزاع موافقة دمشق على خطة تحمل في طياتها ترسيم خطوط تماس دائمة بين الدول السورية والمجموعات المسلحة؟؟
ولكن ماذا سيرد دي ميستورا على القيادة السورية إذا ما قالت له أن تطبيق هذه الخطة من دون ضمانات دولية أمرٌ غير ممكن على الإطلاق، ولديها تجارب يمكن أن تكررها على مسامعه؟، ماذا سيقول عندما تؤكد له أنها تستطيع بقرار من كلمتين أن توقف إطلاق النار على كافة جبهات القتال، لكن ماذا عن المسلحين في مدينة حلب بالتحديد؟ هل انتم قادرون على وقف (الأطراف الأخرى) وضمان عدم انتهاكها الخطة؟ سيكون من الصعب على دي ميستورا تقديم ضمانات عن جانب المجموعات المسلحة وجبهة النصرة، إلا إذا كان هناك أمر مستجد، فهل من جديد؟
إذا كانت القوى الغربية تمون على الجماعات المسلحة في سورية وخصوصاً في حلب وهي قادرة على إدارة وجهة بندقيتها في الاتجاه الذي تريد، فلتعلن ذلك ولتقل كلمتها، ولتتوحد جهود الجميع في مواجهة تنظيمي داعش وجبهة النصرة المدرجتين على قائمة الإرهاب الدولية بتعاون منسق ومدروس داخلياً وإقليمياً ودولياً.. وعندها يمكن الحديث عن خطة «توجيه النزاع» ضد الإرهاب وليس تجميده وتكون الخطة قابلة للتطبيق ولها حظوظ بالنجاح وتنعكس إيجاباً على الواقع السوري وتغير في المناخ العام لصالح اعتماد الحوار السياسي كمخرج من الأزمة، وغير ذلك تصبح كمن يريد من الدولة السورية تغيير أولوياتها في الحرب على الإرهاب لتتطابق مع أولويات المعتدين عليها، فهل يدخل هذا في باب الممكن؟
عبد الرحيم أحمد