مساحة حرة

إس 300 وضربة بوتين الاستباقية

نزل إعلان بوتين بتزويد إيران بمنظومة صواريخ إس 300 كالصاعقة على رأس نتنياهو وكان وقعه شديدا على حكام البيت الأبيض ولكل أسبابه فنتنياهو كان يراهن على استمرار فلاديمير بوتين في تجميد صفقات السلاح مع إيران حتى التوقيع النهائي على الاتفاق النووي الإيراني على الأقل ويكون قد تمكن خلالها من التخريب ومنع التوقيع والبيت الأبيض ينظر إلى أن إعلان روسيا في هذا الوقت الحساس، بعد التوصل إلى اتفاقية الإطار النووية وقبل التوقيع النهائي بين الدول العظمى وإيران، بعين القلق الشديد لأنه يقدم لإيران ورقة إضافية قوية في مفاوضات الأشهر القلية القادمة وحتى الثلاثين من حزيران القادم الموعد الأخير للتوقيع وذلك بتلبية طلبها في رفع العقوبات دفعة واحدة وفي اليوم التالي للتوقيع وليس بشكل متدرج وعلى مراحل كما تبيت الإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيين كما يشجع هذا الإعلان قوى عدّة للتخلص من العقوبات الدولية على إيران، والتي كانت تعيق تطوير التبادل التجاري معها .

ويعتبر حكام الكيان الصهيوني ان منظومة «إس 300» تشكل نوعا من التحدي للتفوق الجوي الإسرائيلي، وظهر هذا في ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة على الإعلان حيث نقلت «هآرتس» عن مسؤول إسرائيلي كبير تأكيده أن المخاوف الإسرائيلية من صفقة الصواريخ هذه تتعلق باحتمال نقل منظومات السلاح هذه إلى سورية و«حزب الله»، الأمر الذي يقيّد جوهرياً حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في أجواء سوريا ولبنان وأشار المعلق العسكري لـ «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان إلى خطر هذه الصواريخ على الأسطول الخامس الأميركي وسلاح الجو السعودي، وطالب بالتفاهم مع الولايات المتحدة حول سبل الرد، وفي نظره يبدو أن روسيا قررت العودة إلى انتهاج سياسة مستقلة تجاه إيران مبررا ذلك بخشية موسكو من أن تستقر العلاقات بين طهران والغرب على حساب كونها الشريك الأكبر لإيران وهو يرى أنه برغم زيارات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان لموسكو ولقاءاتهما مع بوتين اتضح أنه عندما يتعلق الأمر بمصالحها الحيوية فإن روسيا لا تحسب حسابا ل “إسرائيل”.

ومع الإعلان الروسي بدأت حفلة الصراخ الصهيوني تتعالى فقد صرح المعلق السياسي لموقع «والا» أمير تيفون إلى أن الرهان الإسرائيلي على بوتين فشل تماما وكتب أن قرار روسيا يظهر إحدى أكبر المعضلات الاستراتيجية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة وهي كيفية إدارة العلاقات مع روسيا   وهو يرى أن نتنياهو وليبرمان صرفا الكثير من الجهد ودفعا ثمنا كبيرا في سبيل التقرب من بوتين   ويشدد على أن الإعلان الروسي يضاف إلى سلسلة من الخطوات تبدأ بإنشاء مفاعلات في إيران، وتمر بتكثيف العلاقات الاقتصادية، وتنتهي بالتسليح لحليف مركزي يدعم سوريا و «حزب الله»، وكل هذه خطوات خطيرة في نظر “إسرائيل” .

لقد جاء الإعلان كضربة استباقية من بوتين لان قادة الكرملين تساورهم شكوك عميقة في مدى صدقية النوايا الأمريكية تجاه إتمام الاتفاق النووي وفق المتطلبات الإيرانية وقد عبر سيرغي لافروف عن شكوكه حول ما تثيره القوى الغربية من تفاصيل في صياغة بنود الاتفاق وحذر من العودة إلى المربع الأول وبذلك تقطع الخطوة الروسية الطريق أمام الابتزاز الغربي لإيران فضلا عن أنها تشكل ردا غير مباشر على الجنون السعودي في القمة العربية التي استهزأت برسالة بوتين مما يكرس إيران بحصولها على هذه المنظومة قوة إقليمية تملك ردعا استراتيجيا لأي مشروع أو أحلام أو حماقات صهيونية بدفع خليجي وبعض المحافظين الأمريكيين تستهدف البرنامج النووي الإيراني في حال فشلت العملية التفاوضية أو حتى في حال جرى الالتفاف على مجلس الأمن الدولي وقراراته المحتمل صدورها فيما يخص إيران ما بعد التوقيع على الاتفاق النووي وهو أمر وارد في سياسات الولايات المتحدة والتجارب السابقة معها .

لا اعتقد أن رد بوتين على هاتف نتنياهو المتوتر من أن المنظومة الصاروخية لأغراض الدفاع فقط قد طمأنته وأطفأت مخاوفه وهو الذي بدأ مع العدوان السعودي الأمريكي على اليمن يبني أحلاما وردية بتحويل البحر الأحمر الى بحيرة إسرائيلية بما في ذلك بسط السيطرة على باب المندب وتوظيف ما أطلق عليه القوة العربية المشتركة في إقامة تحالف يخنق إيران ويقض مضاجعها ويحول دون تمكنها من تقديم أية مساعدات لمحور المقاومة بما يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية وإطالة أمد الحروب الإرهابية التكفيرية في سورية والعراق ومصر وليبيا ولبنان واليمن بهدف تنفيذ مشروع التقسيم والتمزيق الصهيو أميركي للوطن العربي .

من هنا جاء إعلان بوتين بمثابة خطوة استباقية ورسالة قوية موجهة إلى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والتحالف السعودي ضد اليمن أن الساحة ليست مستباحة لمشاريعهم وان المنطقة ليست لقمة سائغة يسهل ابتلاعها فهناك قوى قادرة على ردع هؤلاء ووضع حد لهذا التصعيد العدواني الوحشي وكما قال بوتين في حواره المباشر مع المواطنين : أن تزويد إيران بصواريخ اس – 300 يمثل عامل ردع في الظروف التي تتبلور في المنطقة لاسيما على خلفية الأحداث الجارية في اليمن .

من العار والمعيب حقا أن يفاخر حكام السعودية باستقوائهم على شعب اليمن المنهك وأطفاله العراة أو أن يتباهوا بتدمير البنية التحتية ومقومات الحياة في هذا البلد الفقير فنشوة انتصارات تحالفهم الشرير لا تخفي حجم الورطة التي انزلقوا إليها عن غباء وتهور وسوء تقدير وصمود أهل اليمن بعد أكثر من شهر على غاراتهم الجهنمية يدل على أنهم أمام معركة خاسرة مهما حشدوا لها فهي معركة لن تكسر فيها إرادة شعب اليمن أبدا ولن يعود للوصاية السعودية مهما كان الثمن وهي بالمحصلة ليس أكثر من معركة مناطحة لصخور اليمن وجباله الشماء التي كانت عبر التاريخ مقبرة للغزاة وهؤلاء المتجبرين بسطوة البترو دولار لن يحققوا فيها إلا الخيبة والخذلان في نهاية المطاف وستضاف هذه الوحشية غير المسبوقة إلى سجلهم الأسود ولابد أن يرتد هذا العدوان المجرم عليهم مهما أخذتهم العزة بالآثم وبالقطع ستلاحقهم لعنة الله والتاريخ إلى أبد الآبدين ..

 

د. تركي صقر