line1مساحة حرة

في مواجهة العدوان: دور الحزب الاجتماعي

العرب اليوم بحاجة إلى أن يرتفع مجدداً الصوت الذي ارتفع في النصف الثاني من القرن الماضي في 56-67-1973:«لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». فجميع التيارات والأحزاب الوطنية  والقومية  والتقدميّة مدعوّة إلى نفير عام أمام الـ«منجزات» الراهنة للتحالف  الأمريكي الرجعي العربي  الصهيوني: تكفير وإرهاب  وتفتت معنوي ومادي يجتاح أكثر من ثلثي الأقطار العربية.
إنه لسؤال مهم حين تبحث في الإجابة عن أسباب التحديات المصيرية الكبرى والمقلقة جداً التي تواجه اليوم العرب. كيف تتصدع الأقطار العربية التي حصدت نتائج طيّبة من حركة التحرر والاستقلال الوطنية العربية، وكيف تتمتع باستقرار نسبي، ظاهري، ومرحلي، تلك الأنظمة التي دارت في الفلك الصهيوأطلسي الرجعي العربي؟.
وإنه لمشكلة كبرى الغياب المفاجئ للتنسيق والتواصل بين الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية العربية في هذه المرحلة من جهة، وبين المجتمع من جهة ثانية، فقد تُرك الحبل على الغارب أمام تفشي وطفو العصابات الإرهابية التكفيرية الجوّالة  العابرة للحدود الوطنية، بل الهادمة لها، وللهوية، وللعيش المشترك، وللتضامن العربي، وللأمن القومي العربي.
فمن منّا ينكر ازدهار المنطقة خلال سنوات المدّ القومي والتحرر الوطني، والروح العالية التي عشناها مقابل قلق أعداء المشروع الوطني العروبي؟.
لقد انتقل  اليوم القلق إلى الطرف الآخر، إلينا، ونحن نرى ربيع خراب ينتج التطرف الديني والتكفير والإرهاب، تتناسى معه  شرائح واسعة، أو تنكر، أن الإسلام الحنيف «التاريخي لا السياسي» ارتكز على مفهوم العروبة «الإنساني غير العنصري» فأنتج الحضارة العربية الإسلامية  التي نعتزّ بانتمائنا إلى أفقها الرحيب.
ولا بأس، فهناك اليوم مؤشرات جديدة عديدة وواعدة بأن التيار القومي لم ينحسر أمام التيار الديني في الوجدان، بل فقط في الجيوب بسبب البترودولار.
لذلك  يتجدد  السؤال حول فاعلية الحضور الاجتماعي  في الأقطار العربية للأحزاب الوطنية والقومية التقدمية خلال العدوان الراهن على الهوية والحدود والوجود، ولاسيما أن قسماً من هذه الأحزاب اكتسب مشروعية، وجماهيرية، ووصل إلى السلطة، ونجح نسبياً في تعزيز العيش المشترك، والتنمية والاستقرار.
ولعله من الأفضل أن يُتخذ من الواقع في القطر العربي السوري أنموذجاً حيّاً لهذه الأسئلة، فهل يمكن الرهان على دور إيجابي للحزب، وللبعث تحديداً في مواجهة الأزمة والخروج منها بانتصار ونجاح؟.
في الواقع إن الانتشار الجغرافي غير المحدود للعصابات التكفيرية المسلّحة محكوم منطقياً، وتاريخياً، وواقعياً بعدم الاستقرار، وبالهزيمة لا شك، فالذهنيّة الجمعيّة للسوريين ترفض التطرف والإرهاب.
وعلى الرغم من الإشكالات التي اعترت مسيرة حزب البعث في سورية، ومن الانتقادات التي توجّه إليه من داخل تنظيمه، ومن المجتمع، إلاّ أنه من الواضح أن دوره الاجتماعي لم يتراجع بمجرد وصوله إلى السلطة. ومن الواضح أيضاً أنه خلال الأزمات التي شهدتها البلاد كان الحراك الاجتماعي العام يرنو إلى دوره الفاعل للمساعدة في الخروج من الأزمة، وقد نهض بتنظيمه وجماهيريته بأدوار لا تنكر.
فالبعث حزب جماهيري يمتلك قاعدة واسعة في المجتمع، حاضر بين الناس بقوة كفكر وكمؤسسات، وهو في نظريته يزاوج بين النظرية الفكرية، والواقعية المرنة. فهو في تاريخه النضالي إيديولوجي وبراغماتي في آن واحد.
كما أن البعث يمتلك من خلال تحالفاته، والثقة المتبادلة مع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، والأحزاب الوطنية التي نشأت خلال الأزمة مايؤهله لترسيخ، وقيادة مشروع وطني هو الوحيد لمجابهة التكفير والتطرف، ولهزيمة العصابات الإرهابية المسلحة، كونه بالأساس مشروعاً نهضوياً، يقابله مشروع تدميري رجعي تفتيتي.
فقد أثبتت الجولات الميدانية في مختلف أرجاء سورية لكوادر الحزب وقياداته أن شرائح المجتمع السوري تستدعي وتطلب حضور مؤسسات الحزب في الأحياء والمدارس والمعامل… كونها لاتزال تمتلك الثقة الشعبية الأهم لتوطيد دور الحزب الاجتماعي المؤهّل ليكون رديفاً لقواتنا المسلحة في هزيمة العدوان والمؤامرة، وأن هذه الشرائح لاتزال تتساءل بمرارة عن تراجع هذا الدور في المرحلة السابقة.
إن الآخرين، وهم كُثر يتطلعون إلى ذلك، ويطلبونه بإلحاح، بل يفضلونه، وهم يدركون أن الحرب مع الإرهاب والتطرف طويلة. والحزب بتاريخه النضالي قادر على المساعدة في تحقيق النصر، وعليه أن يعيد إنتاج فضاء اجتماعي جديد واسع وأكثر فاعلية، خاصةً أنه ينهض بمسؤولية الحكم بشرعيّة، وبمشروعيّة.
د. عبد اللطيف عمران