مساحة حرة

من يضمن للأردن .. نجاح هذا ” الطموح ” غير المشروع ؟

بغض النظر عما كتبه الزميل ماهر أبو طير، حول (الجنرال د. بهجت سليمان السفير السابق في الأردن) وما ساقه من اتهامات له ولكل من يعتقد مثله، مصادراً بذلك قناعات الآخر، حتى لو يكن بهجت سليمان عينه، بقوله (كل اولئك الذين يطبلون اعجابا بكتاباته هم على شاكلته اساسا) ناسياً أن من حق الناس؛ أي ناس أن يعجبوا أو لا يعجبوا بكتابة هذا الكاتب أو آراء هذا السياسي أو الجنرال، أو لا يعجبوا.. ولا يحق لأي كان؛ أبو طير أو سواه أن يحكم او يعاقب من يخالفه الرأي، وهو أي ابو طير ساوى نفسه مع من اتهمه، ان كان ما اتهمه به صحيحاً.

اقول لكي أكون واضحاً أنني تعاملت مراراً مع مقالات ابو طير بغض النظر عن قناعتي بها، وقد أعجبني بعضها، وسأبقى أتعامل معه عندما أرى ذلك ضرورياً، بغض النظر عما ساقه من اتهامات وسّع فيها دائرة اتهاماته  فأصاب أكثر مما يتخيل، فقد أضحى بهجت سليمان حالة ينتظر عديدون قراءة ما يكتب في الأردن وخارجه، بما في ذلك سورية، وهو يمثل وجهة نظر ورأي يحترمه ويعتقد به العديد من المواطنين العرب، ولا يجوز بحال تقريع هؤلاء الناس، ليس لأجل الجنرال الدكتور بهجت سليمان، ولكن لكي لا يخطيء أبو طير .

وكنت أشير في تعاملي مع مقالات ابو طير، أنه مقرب من صاحب القرار ، حتى قال لي زميل أن ماهر ابو طير ما عاد في الأردن وهو يعمل (الآن) في الإمارات وبالتالي لا علاقة له بصاحب القرار، لكن مقالة ابو طير في 14 حزيران 2015، وفي شباط الماضي، لا اعتقد انها خارجة عن هذا الإطار، فقد تحدث الأردن الرسمي بدون مواربة عن (الانتصار) لما قيل أنه العشائر السورية في شرق سورية والعشائر العراقية في غرب العراق . . وهو ما قد يعني موضوعياً توسع الأردن باتجاه أراض سورية وعراقية في حال نجح التدخل.

ولعل من المفيد التوضيح، أنني مع أي نظام او حاكم عربي، قومي أو رجعي، ملكي او جمهوري، اشتراكي أو رأسمالي، يستطيع توحيد شعث هذه الأمة، حتى لوكان ذلك بالقوةً وعبر اضطهاد خصومه ومنافسيه، على ان لا يكون إثنياً أو طائفياً أو مذهبياً أو تكفيريا او وهابياً أو إخونياً أو تابعاً، وعلى أن تكون أجندته التوحيد وليس التوسع، حتى لو اضطر لإضطهاد منافسيه وخصومه على طريق عملية التوحيد هذه.

(أذكر أن المناضل السياسي والمفكر ناجي علوش قال لي في بيروت، لقد اضطهد بسمارك خصومه لكنه وحّد المانيا، ليتهم يضطهدوننا ويقيمون الوحدة؛ لكنهم يضطهدوننا ولا يقيمونها)

والسؤال هو بكل صراحة ودقة، هل يقدر الأردن على توحيد الأمة  فيما هو غارق بالمديونية، وغيرها، وفيما نحن بتنا نعاني من امراض اجتماعية وسياسية وإقتصادية لم تكن معروفة في المجتمع الأردني قبل توقيع معاهدة الذل في وادي عربة.

وهل التوسع الذي تحدث عنه أبو طير، سيمر هكذا بسلاسة وتقبل حتى تلك العشائر التي يجري الحديث عنها، هل جنبلاط المتقلب وأضرابه يراهن عليهم، هل هم على مقدرة كافية من سوريين وعراقيين على الإستمرار، وهل من يخذل دولته، يراهن عليه في ان لا يخذل غير دولته، وهل الأمريكان  لن يخذلوا الأردن كما خذلوا سواهم في جهات الأرض الأربع.

ثم هل يمتلك الاردن تفويضا شعبيا أردنياً ومن الشعبين السوري والعراقي أو من نظاميهما بالتدخل لكي تتحقق مشروعية التدخل ولا تكون له مضاعفات لاحقة تودي بكل شيء.

ونرى الحلفاء في الخليج متبايني الرؤى حد التخاصم والتنابذ حول قضايا رئيسة وان اتفقوا ضد سورية وغيرها، وأحد مكوناته خارج  هذه المعادلة تماماً ، وبعضهم يولي حرب اليمن جل اهتمامه ويقاطع من يختلف معه في هذا التوجه ومنهم الأردن.

الحرب شرق سورية وغرب العراق ، ليست نزهة ، وليست خياراً مطلوباً ولا يسيراً ، ولها تبعاتها واستحقاقاتها وتداعياتها وأثمانها وشروخها وفتنها، ويحتمل أن تتيح للكيان الصهيوني اغتنام الفرصة  والتوجه نحو الأردن شرقاً بذريعة انه مهدد من جيرانه، وإن وعد الأمريكان او ادعوا الإلتزام بغير ذلك.. بدلاً من أن نتوجه غرباً لتحرير فلسطين من رجس الصهيونية.

وليس بالضرورة أن تؤدي الحرب في شرق سورية وغرب العراق إلى ذات الغايات المرسومة، أو المأمولة، فقد ارتدت كل مشاريع الفوضى الأمريكية (الخلاقة) على نتائجها الأولية، فضاعت اوهام الناس في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والان في العراق، ولم تحقق غير الآلام والضحايا والفتن والتدمير.. فما بالنا لا نحفظ للأردن ما هو عليه من استقرار نسبي، ولا نغامر كما غامرت جماعات ضللها الأمريكان وظنت انها ستقطف لبناً وعسلاً، فإذا آمالها ومشاريعها الواهمة قبض ريح وهوان.

إن إصلاح بلدنا في الداخل اولى بنا وخيارنا، وذلك بعدم التورط أولاً في الحلفين الأمريكي والسعودي، وبالتنسيق ثانياً مع الجيوش الوطنية في سورية والعراق وليبيا ومصر واليمن.. ضد الإرهاب بكل مكوناته (معتدلاً ) ومتطرفاً، وعدم إيواء منشقين وإرهابيين في بلادنا ثالثاً، ورابعاً إغلاق معسكرات التدريب الأمريكية، وخامساً ضبط الحدود في وجه الجماعات الإرهابية بالاتجاهين، وأخيراً عدم استقبال المزيد من اللاجئين على إطلاق مسمياتهم، وتسهيل عودة الراغبين منهم إلى بلادهم.

بكلمات وببراغماتية موغلة في الانتهازية، اقول من يضمن على ان ترتد هذه المغامرة على الاردن ويلات ودمار.. كما هو حاصل في الجوار وغيره، الم تهزم أمريكا في غير مكان رغم كل ما ملكت من اسلحة متطورة وجيوش وأجهزة تجسس ومعلومات وشبكات اتصال متقدمة وعملاء في مناطق عدواناتها؟

 

محمد شريف الجيوسي- كاتب أردني