مساحة حرة

هل «معجزة» بوتين قابلة للتحقق؟

نيات الحليف الروسي تجاه الدولة السورية ليست محلاً للريبة أو مجالاً للشك بعد تجارب الثبات المتواصلة في مواقف موسكو

إلى جانب سورية في كفاحها ضد الإرهاب العالمي وما تجمع بيد الرئيس فلاديمير بوتين من خيوط في الآونة الأخيرة رجحت لديه أن الظروف قد نضجت لطرح فكرة قيام تحالف يضم سورية مع دول في المنطقة بهدف القضاء على الإرهاب الذي يتراءى للقيادة الروسية أنه أضحى يشكل عدواً مشتركاً وخطراً داهماً على الجميع رغم الإدراك أن مثل هذه الخطوة أشبه بالمعجزة، لصعوبة، إن لم نقل لاستحالة، أن يقوم صانعو الإرهاب ومنتجوه ومستثمروه ومشغلوه بمحاربته والقضاء عليه وهم أنفسهم حكام السعودية وتركيا والأردن وقطر الذي يرى الرئيس بوتين إمكانية جمعهم في جبهة واحدة مع سورية لمواجهة التنظيمات الإرهابية وأخطارها.

وأعتقد أن فكرة بوتين مستقاة من تجربة الاتحاد السوفييتي السابق في الحرب العالمية الثانية عندما تم عقد تحالف الضرورة مع الأعداء والخصوم لصد العدو النازي المشترك وهو يرى أن كفاح الشعب السوري المجيد ضد الفاشية الإرهابية، يذكّر بكفاح الشعب الروسي ضد النازية، ويفتح صفحات التاريخ نفسها، أي بناء تحالف الأضداد في مواجهة الإرهاب، وأن خطر الوحش الإرهابي اليوم وسرعة انتشاره إقليمياً ودولياً لا يقل خطورة عن الوحش النازي ، وكما خرجت روسيا، قوة دولية معترفاً بها بعد الحرب العالمية الثانية، ستخرج سورية، من هذه الحرب، قوة إقليمية رئيسة، معترفاً بها وكمركز أساس للمنطقة كلها.

لكن لا ندري ماهية الخيوط التي تجمعت بيد الرئيس بوتين والدبلوماسية الروسية حتى تم طرح مثل هذه المبادرة.. فمعروف أن موسكو كانت خلال الأشهر القليلة الماضية محوراً للقاءات واتصالات وتهافتت عليها الأطراف المعروفة باحتضانها للإرهاب، ونخص بالذكر الطرف الأكثر دعماً للأعمال الإرهابية ألا وهو الطرف السعودي ممثلاً بوزير الدفاع وولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي التقى الرئيس بوتين .. وبغض النظر عن الاتفاقيات التي جرى الحديث عنها والتقارب الاقتصادي بين الطرفين فإن الدلالات السياسية توحي بأن النظام السعودي لولا أنه أدرك قوة الأوراق التي تمسك بها موسكو لإنقاذها من ورطتها الكبرى في اليمن وفي حروبها الفاشلة في المنطقة لما كانت هذه الهرولة نحوها والتوسل لمساعدتها فضلاً عن تراكم المشاورات مع الغرب المذعور وإدارة أوباما المتخبطة والمرتبكة من وصول الإرهاب إليها وإلى كل مكان في العالم وعلى هذا الأساس كانت فكرة إقامة التحالف الإقليمي مع سورية لمكافحة الإرهاب.

فالمؤكد أن فكرة التحالف الجديد لم تأت من فراغ بل هي نتاج تحركات سياسية دؤوب كان محورها الأساس موسكو وهو بمعنى من المعاني تحالف الضرورة هذا إذا ما رأى النور، وغدا قابلاً للحياة ولولا أن منيت أطراف العدوان على سورية بالفشل ولولا غرق السعودية في المستنقع اليمني لما قبلت حتى بمجرد سماع الفكرة وخشية من أن تكون تلك الأطراف لم تفهم مضمون فكرة التحالف، وتحسباً من أي تشويش وتكهنات بادر الرئيس بوتين مباشرة بعد اجتماعه بولي ولي العهد السعودي بالتصريح علناً بأن موسكو لم ولن تغير موقفها الداعم لسورية.

على أي حال هذا التحالف لا يزال فكرة ولا يزال تحقيقه في عالم الأمنيات على الرغم من أن سورية لم تنفك منذ أربع سنوات ونيف تحذر من خطورة الإرهاب وتؤكد ضرورة توحيد الجهود لمحاربته، ومن حقها الآن أن تشكك في نيات الأطراف الراعية والداعمة للإرهاب التي لم تستجب للتحذيرات ومضت في لعبة الدم والتدمير على أشدها ضد سورية لأكثر من أربع سنوات بل تمحورت أهدافهم جميعاً منذ البداية حول «إسقاط» الدولة السورية، وتدمير بناها التحتية والإنتاجية، وإضعاف الجيش العربي السوري، والمقاومة في لبنان، وتفكيك المجتمع إلى مذاهب وطوائف وإثنيات، من أجل تحقيق الخطة الصهيونية والاستعمارية القديمة لاستكمال تمزيق سورية أرضاً وشعباً.

إن العالم يشهد أن تضحيات السوريين كانت أكثر من أسطورية وفاقت حدود التصور؛ وقوافل الشهداء والجرحى والمهجرين لم تتوقف، وتراجع مستوى المعيشة والحياة في ظل وحشية الإرهابيين وتجار الحروب والفاسدين متواصلة للسنة الخامسة على التوالي؛ والجميع يعرف أن تلك التضحيات هي التي منعت الأعداء من تحقيق أهدافهم؛ فالدولة الوطنية ما زالت صامدة وراسخة، بقيادتها وأجهزتها ومؤسساتها وجيشها.. لذلك من الطبيعي أن يستقبل سوريون كثيرون، الأخبار والتحليلات عن مسار فكرة التحالف المفترضة لمحاربة الإرهاب بتوجس.

ولكن، وبغض النظر عن هذه الرؤى المحقة وفي خضم نفاد صبر الكثير من الناس من طول عمر الأزمة واستطالتها، فإن مبادرة الأصدقاء للتفكير الدائم باجتراح الحلول لوقف الحرب الإرهابية ضد سورية ونجاحهم سابقاً في موضوع كمثل موضوع «الكيمياوي» المعقد يجعل من فكرة الرئيس الروسي عن تشكيل تحالف دولي- إقليمي ضد «الإرهاب» تحظى بالاهتمام الكبير وهو ما يعكس حنكة سياسية لموسكو ومستوى رفيعاً لحساباتها الاستراتيجية على حساب التفاصيل التي يغرق أهل المنطقة أحياناً في ملفاتها.

وبعيداً عن النظرة المتشائمة تمكن قراءة التصريحات الروسية على أنها مبادرة متكاملة للخروج من عنق الزجاجة الذي وصلت إليه الأمور مع الأخذ بالحسبان الوضع داخل سورية ووضع الأطراف الإقليمية والدولية، فسورياً، تعلم القيادة في دمشق ومؤيدوها أن الإنجاز الأهم المتمثل في الحفاظ على الدولة وفي إبقاء الجيش فاعلاً ومتحركاً ومتماسكاً وصامداً، قد تمّ تحقيقه بعد أربع سنوات من الحرب الأليمة، وإقليمياً، ودولياً، وصلت التجاذبات إلى مراحل تنبئ بأنه لابد من مبادرات وأفكار جديدة.

ويمكن القول بواقعية تامة إن الأوضاع سيئة بالنسبة للجميع فلا أمل لشركاء الحرب على سورية بعد الآن بـ«سقوط الدولة» ولا أفق لنهاية الإرهاب فيها أيضاً إذا لم يتوقف الدعم والتمويل، ولا إنجاز ملحوظاً لحكومة أردوغان بعد سنوات طويلة حاولت فيها «إسقاط» الدولة السورية، بل تجد تركيا الأردوغانية نفسها الآن في وضع داخلي متصدع رغم النيات المعروفة بتدخل عسكري في الشمال السوري، وسعودياً تزداد هزائم المملكة في اليمن ويرتد كيدها إلى نحرها بعد أن وقعت في شر أعمالها الحمقاء، ولا تلوح نهاية لتورطها بهذا الملف ناهيك باستحالة تحقيق ما تصبو إليه. وإذا ما أضفنا إلى هذا كله التمددات «الدعشية» المتزايدة إلى الساحة الخليجية من خلال تفجيرات إرهابية في السعودية والكويت، فيغدو النظام السعودي المضطرب صاحب المصلحة الأكبر، وأكثر من أي طرف آخر في كسر الوضع القائم حالياً، وبأي شكل وبأدنى المطالب هذه المرة.

فهل تحصل المفاجأة الافتراضية وتكون معجزة بوتين الجديدة قابلة للتحقيق؟ لننتظر ونرى..!

تركي صقر