مساحة حرة

ما الذي يجري في لبنان ؟؟!

هل نفد صبر الجنرال ميشيل عون حتى اتخذ قراره الحاسم بالنزول إلى الشارع؟ هل باتت ألاعيب تيار الحريري في تعطيل الحياة السياسية في لبنان لا تحتمل؟ هل آن الأوان لوضع حد للمتاجرة بمصير لبنان لصالح الإرهاب والإرهابيين وداعميهم في المنطقة ؟ نعم يبدو أن الكيل طفح وأن الأمور وصلت إلى مستويات خطيرة بعد أن وقف تيار المستقبل في وجه انتخاب رئيس للبنان لأكثر من عام ونيف عندما دفع بشخص مثل جعجع – وما أدراك من هو جعجع -للترشيح وأصر عليه  ولم يستطع أن يفرضه أو يفرض غيره وإمعانا في التعطيل قامت المملكة السعودية راعية الإرهاب في المنطقة بوضع فيتو على الجنرال عون المرشح الأقوى لأنه  لم يوافقها على تحويل لبنان إلى محمية إرهابية تساعدها في تنفيذ مشروعها الإرهابي التكفيري في سورية والعراق واليمن وعموم المنطقة.

ليس هناك ما يخفى في لبنان  فلقد أعلن الجنرال عون على الملأ أن السفير الأمريكي في بيروت أبلغله بصريح العبارة  أن وصوله إلى سدة الرئاسة اللبنانية مضمون تماما إذا ما تخلى عن تحالفه مع حزب الله وهذا يعني أن الحريرية عندما تعطل انتخاب رئيس للبنان إنما تنفذ أوامر أمريكا والمملكة الوهابية بكل صفاقة وأنها تقف ضد مصلحة لبنان الوطنية  وأن ما رفعته من شعارات حول سيادة لبنان وقراره المستقل مجرد أكاذيب وهي أداة تعمل في خدمة المخططات الخارجية التي لا تريد للبنان أن ينعم بالاستقرار والخير والأمن والأمان وإنما هي شريكة في مشروع الفوضى الأمريكية المدمر لدول المنطقة.

ولأن الجنرال عون بقي ثابتا على مواقفه  في حفظ سيادة لبنان واستقلاله  وبقي متمسكا بتحالفه مع حزب الله وملتزما بخط المقاومة والوقوف بوجه العدو الإسرائيلي ولم تستطع إغراءات الحريري الأب سابقا ولا إغراءات الحريري الابن لاحقا أن تشتريه وتغير من نظرته تجاه الحرب الإرهابية على سورية راحت جوقة تيار المستقبل الإعلامية الضخمة تشيطن الرجل بكل الوسائل والأساليب وتسود صفحات تاريخه  زاعمة أن  ميشال عون ما زال هو نفسه: الجنرال البونابرتي المتغطرس الساعي إلى الرئاسة بأي طريقة ولو كان الثمن المدفوع إعلان البيعة لأعدائه السابقين، والمقامرة بمستقبل المسيحيين الذين يزعم الدفاع عن حقوقهم، والدمار للبنان ويحرضون ويغمزون من قناة استذكار مواقف عون المعادية والحادة ضد سورية وحزب الله وما سببته حرب الإلغاء التي شنها سابقا من إزهاق أرواح مئات القتلى من الجيش اللبناني والطائفة المسيحية .

إن أدعياء الحرص على استقلال لبنان وسيادته والنأي به عما يجري من حوله قد انكشفوا وسقطت مزاعمهم بان الجنرال عون يريد أن يحرق لبنان لأنه لم يحقق غاياته الشخصية ونزوعه الذاتي المتلهف للوصول الى الرئاسة بأي ثمن  زاعمين أن حلفاء وخصوم الجنرال، يتغيرون كل وقت وكل حين لكن ما هو ثابت أن هذه الحروب التي يشعلها عون  تتعلّق بمرض الزعامة المزمن لديه ، وأنها تتركز على علوّ مصالحه وسعادة وغنى بناته وأصهاره على مصالح وسعادة وغنى أي مسيحي أو لبناني آخر ولعل استخدامهم منصة الحكومة الحالية لمواجهة التيار الوطني الحر وفرض وقائع وقرارات تأخذ لبنان واللبنانيين إلى ما لا يريدون وما لا يرغبون تدل دلالة قاطعة على مدى استمرار تيار الحريري في تهميش الآخرين والانفراد بالقرار اللبناني ولو أدى ذلك لإعادة لبنان إلى أجواء الاضطراب وحتى الحرب الأهلية إذا لم تتحقق أهدافهم المرسومة في الرياض وواشنطن .

هؤلاء الأدعياء هم أنفسهم  من يريد إشعال الحريق في لبنان وليس الجنرال عون وهم أنفسهم من سعى ويسعى إلى  زرع الفتن والشحن الطائفي والمذهبي ولم يقصروا في ذلك ولم يتورع أزلام المستقبل في طرابلس وغيرها عن استخدام أقذر الأساليب في تأجيج الفتنة والتحريض على سورية وإرسال القتلة والإرهابيين إليها ولولا حكمة حزب الله  وقبوله بلجنة حوار دائمة مع المستقبل لكان الاحتراب الداخلي اللبناني على أشده وبذلك يتضح أن الجنرال عون كان ولا يزال مع حلفائه في المقاومة  صمام الأمان لاستقرار لبنان وإبعاد التنظيمات الإرهابية ونشاطاتها التخريبية والتكفيرية عنه ولقد أزعجتهم إلى أبعد الحدود النجاحات والانتصارات التي حققتها وتحققها المقاومة  مع الجيش العربي السوري في القلمون وجرود عرسال والزبداني وقبلها في القصير وغوطة دمشق ومطار الثعلة و في درعا ومحيط السويداء وبات يساورهم القلق أن مشروع أسيادهم السعوديين بدأ ينهار حتى في اليمن التي كانت مقبرة الأناضول في الماضي وغدت اليوم مقبرة الغزاة السعوديين .

لقد قرع الجنرال عون جرس الإنذار وأراد كسر سياسة المياه الراكدة  من خلال الإشارات بتحريك الشارع اللبناني ورغب أن يفهم الطرف الأخر أن زمن الوصاية السعودية قد ولى وأن المملكة التي تلعب لعبة النار والانتحار في حروبها الإرهابية التكفيرية في المنطقة لم يعد بإمكانها فرض رئيس للبنان من صناعتها وإنتاجها وينفذ سياستها المعادية للمقاومة في لبنان متجاهلين أنه لم يعد بمقدورهم فعل ذلك بعد أن فقدوا معظم الأوراق السابقة التي تلاعبوا من خلالها بمصير لبنان وبات وكيلهم الحريري الصغير لا يجرؤ على العودة إلى لبنان والاستقرار فيه  وبعد أن أضحت الكلمة العليا للمقاومة  وأن الحلف المتين الذي يضم تكتل التغيير والإصلاح العوني والقوى الوطنية اللبنانية وفي المقدمة قوى المقاومة ممثلة بحزب الله غير قابل للاختراق وأن تعليمات السفير الأمريكي والسفير السعودي في بيروت أصبحت شيكا بلا رصيد.

والسؤال ما هي آفاق الأزمة الحالية في لبنان وهل هي أزمة طارئة وعابرة أم أن الوضع مرشح للتأزم ومفتوح نحو الأسوأ ؟

لا نتمنى إلا الخير والسلامة والاستقرار للبنان ولكن في ظل  المقدمات الفتنوية التي طبخها تيار المستقبل وأزلامه طوال سنوات مديدة في الساحة اللبنانية  ووصول نتائجها  إلى ما وصلت إليه اليوم واضطرار العونيين للنزول إلى الشارع  فالتوقعات والاحتمالات مفتوحة نحو الأسوأ حيث دفع سلوك الحريري الابن الحكم اللبناني إلى أزمة حقيقية بمحاولاته المستمرة لإقصاء الآخرين وضرب مفهوم الشراكة والمشاركة وتهميش جميع الشركاء فضلا عن نهجه في بيع لبنان بالكامل للخارج وارتهانه سياسيا للمشيئة السعودية مما جعل الكل مأزوم والكل متوتر ومضطرب وجعل  باب القصر الجمهوري مقفلا نهائيا بانتظار سقف المطالب التي رفعها الجنرال عون مؤخرا الى انتخابات نيابية تحتاج إلى قانون، والقانون يحتاج إلى تفاهمات ستكون عسيرة جدا أن لم تكن مستحيلة في ظل المماحكات اللبنانية التي لا تنتهي.

كما أن حكومة تمام سلام ، لن تصمد لأكثر من أسبوعين، بعد أن تم تعليق كل شيء إلى ما بعد عطلة عيد الفطر فإذا لم يتم التوافق على آلية جديدة لمجلس الوزراء، والأرجح على الغالب الا يتم التوافق وسط الاجواء المشحونة والمحمومة في الشارع ، فإنها ستكون  أمام حالتين لا ثالث لهما :  أما التعطيل أو الاستقالة، وفي كلتا الحالتين، ستمضي أزمة الحكم في  لبنان نحو الاستعصاء ومزيد من التعقيد.

تركي صقر