مساحة حرة

الغرب غير المتصالح مع مبادئه

يبرع الغرب في ضخ المصطلحات الكاذبة والمضللة بهدف تشكيل حالة وعي مفاهيمي حولها، وتوظيفها بالاتجاه الذي يخدم مصالحه ومشاريعه السياسية، ومنها إطلاقه مصطلح مهاجرين على اللاجئين السوريين الفارين من حمى الإرهاب والحصار الاقتصادي، الذي فرضه الغرب على الشعب السوري منذ أكثر من أربع سنوات، وأردفه بدعم لا محدود للإرهاب، الذي أغرق الجغرافيا السورية بشلالات من الدماء، هذا الغرب الذي يتباكى على مأساة ساهم بعض ساسته ومن منظور مصالح سياسية ضيّقة، معتقداً أنها ستصل بهم إلى نهايات سعيدة تخدم مصالحه ومصالح الكيان الصهيوني، الأب الروحي لكل ما تشهده وشهدته المنطقة من إرهاب وعنف وقتل وتطرّف عبر ستة عقود ونيف من استزراعه في المنطقة.
إن مأساة اللاجئين السوريين هي مأساة وطنية تؤرق كل سوري شريف، وتؤلمه، بحكم انتمائه الوطني أولاً والإنساني ثانياً، ولكن لكل مأساة أسبابها ونتائجها وحلولها أيضاً، ولعل الكل يعلم أن سورية كانت قبل الأحداث التي شهدتها، والإرهاب المنظم الذي اجتاحها، بلد الأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، فقد كانت نسبة النمو فيها تزيد على الخمسة والنصف بالمئة، وهي نسبة متقدّمة على مستوى دول العالم، في إطار مؤشرات التنمية التي تعدها مؤسسات دولية متخصصة، إضافة إلى نسبة البطالة في سورية فلم تكن تتعدى عام 2011 الثمانية والنصف بالمئة، وكذلك استيعاب السوق السورية ومؤسسات الدولة لخريجي الجامعات والمعاهد وأصحاب المهارات من الطاقات الشابة، إضافة لاستيعاب الجامعات والمعاهد كل حملة الشهادة الثانوية بفروعها المختلفة، ولاسيما بعد التوسع الحاصل في التعليم العالي، أفقياً وعمودياً، بعد عام ألفين، وهو سياق في سياسة انفتاح واسع جاءت ترجمة لنهج التطوير والتحديث الذي أطلقه سيادة الرئيس بشار الأسد.
وجملة القول: إن لجوء السوريين أو نزوحهم داخل سورية أو خارجها يعود لأسباب يدركها الجميع، وترتبط بشكل أساسي بالحرب الإرهابية، التي تشن على الشعب السوري، بدعم وإسناد وتخطيط خارجي، يضاف إليها العقوبات الاقتصادية الظالمة وغير الشرعية التي فرضها الغرب الاستعماري على الشعب السوري منذ بداية الأحداث، وأتبعها بنهب منظم لثروات الشعب السوري، من بترول وغاز ومحاصيل زراعية ومعامل ومصانع عامة وخاصة، وتخريب ممنهج لبنية الدولة ومؤسساتها، وبالتحديد قطاعات الماء والكهرباء وخطوط النقل، ناهيك عن استهداف المدارس والمشافي والجامعات وغيرها من مرافق عامة، تؤدي خدمات تربوية وصحية وغيرها لكل المواطنين وكل ما هو مقيم على أراضي الجمهورية العربية السورية.
من هنا يبرز دور العامل الخارجي أساسياً في معاناة السوريين، والرغبة في استمرار العدوان على الشعب السوري، وإطالة أمد الأزمة بهدف استنزاف الدولة السورية مادياً وبشرياً، بعد الفشل في إسقاط نظامها السياسي الوطني، وعدم القدرة على فك ارتباط المواطن بمؤسساته المتماسكة، والملتف حول عناوينه الوطنية، على الرغم من كل أشكال الاستهداف الممنهج والمدروس في مطابخ الغرب الاستعماري وأدواته المحلية والإقليمية.
إن طفو مشكلة أو أزمة اللاجئين على السطح بشكل مفاجئ، وهذا التعاطي الإعلامي معها بهذه الطريقة، لا يمكن أن يكون لدواعٍ إنسانية صرفة، وهذا على  الأقل في المستوى السياسي، فالواضح أن الهدف البعيد من ذلك سياسي بامتياز، وهو ما بدأت تتضح بعض ملامحه من خلال الحديث عن الحاجة لما يسمى مناطق آمنة أو حظراً جوياً أو ممرات إنسانية، وغيرها من مصطلحات يبرع الغرب في تصنيعها وضخها في السوق الإعلامية، وهي في جوهرها تعبيرات ملطفة لمفهوم الاستعمار والتدخل الخارجي.
إن الاستثمار السياسي في الأبعاد الإنسانية للأزمة في سورية، والعدوان الإرهابي عليها ليس أمراً  جديداً، بل ترافق مع بدايات الأحداث فيها، عندما حاول التركي جعلها سبباً وذريعة للتدخل في الشأن السيادي السوري، ولم يفلح في ذلك، وكذلك حاول فعلها الأردني، بإيعاز أميركي وإخراج سعودي، واليوم يُعاد تظهير المسألة بطريقة أكثر ذكاء، وهو الانعكاس الاجتماعي والأمني لها على بعض دول العالم، لإيجاد مبررات للتدخل أو الضغط  السياسي بهدف الحصول على مكاسب معينة، وهو ما تدركه الدبلوماسية السورية وتتحسّب له، وتحول دون جعله ورقة بمواجهة الحكومة السورية، وإنما ورقة بيدها تواجه بها القوى الداعمة للإرهاب والمغذية له بهدف إطالة أمد الأزمة والاستثمار في تداعياتها.
إن معالجة مدخلات الأزمة الحقيقية، وهي الإرهاب، والتدخل الخارجي، والعقوبات الاقتصادية الجائرة واللاشرعية، هي المدخل الصحيح والوحيد للخروج منها، أما التعامل المسيّس مع مخرجاتها فلن يزيد الأمور إلّا تعقيداً وانسداداً. من هنا تأتي أهمية توفر الإرادة السياسية في الحل، وهو ما لم يلمسه أي متابع للأحداث حتى الآن، وذلك من خلال قراءة واقعية وغير حالمة للمواقف العملية للقوى الأجنبية، المنخرطة في إحداثياتها وخطوط سيرها، ولعل السؤال المهم في هذا السياق هو: متى يتصالح الغرب السياسي مع ما يطلقه من عناوين إنسانية وأخلاقية يصدرها في خطابه الثقافي ويناقضها في مجمل سلوكه السياسي؟.

 

الرفيق د. خلف المفتاح
عضو القيادة القطرية للحزب