مساحة حرة

الحرب الروسية الشاملة على الإرهاب.. الأسباب والمنتجات

لا أحد يقول بأن ما بعد زيارة الرئيس العربي السوري دكتور بشار الأسد إلى روسيا، كما قبلها، وإن وقع البعض في مطب الإسفاف والكذب على الذات، فانتحوا بتلفيقات أثارت الإشفاق والسخرية بهم، أكثر مما أثارت الاهتمام، وأثبتوا مجدداً أنهم خارج (التغطية) والتاريخ وفهم المستجدات، وضد حتى مصالحهم الإستراتيجية، فما أقدموا عليه من حماقات، هو نوع من الإنتحار المجاني الحقيقي .

لقد أعلنت الزيارة حقائق ماثلة ربما لم يكن البعض ليدركها تماماً، من ذلك أن روسيا لا (تلعب) في موضوع الموقف من سورية ودعمها، وإن كانت (إسرائيل) لتكاد أن تكون أهم من أي ولاية امريكية مهمة، إلا أنه لم يبلغ الحد بواشنطن؛ المغامرة بمثل ما دعمت به روسيا؛ الدولة الوطنية السورية، فالتدخل الأمريكي العسكري المباشر لـ ( إسرائيل ) باكثر من الدعم المالي والتسليحي الإستراتيجي والاستخباري والإعلامي والسياسي، غير ممكن، ربما لأن ذلك يشطب دور دول إقليمية تابعة لأمريكا في المنطقة ويفجر صراعات إقليمية ذات طابع شعبي قد يسقط تلك الأنظمة، ويأتي بأنظمة ليست صديقة أو تابعة، تضرب مصالح أمريكا وتحارب إسرئيل وتجعل من الحرب على إسرائيل مهمة وطنية وقومية ودينية عليا .

لقد تآمرت الدول الإمبريالية بقيادة واشنطن على روسيا منذ تفكك الإتحااد السوفييتي وقبله بعقود، ولم (ترحم) ما حل بها بداية التسعينات، بل وسّعت من قاعدة التآمر عليها في كل اتجاه، وعملت عبر ثورات ليلكية على تطويقها في جنوبها الجغرافي، و(استغفلتها) في غير ساحة صراع كما في العراق وليبيا، واسقطت أي موقف إيجابي في أوكرانيا محاولة إشغالها عن سورية أو مساومتها عليها، واتخذت قرارات غبية بحصار روسيا وكأنها دولة من العالم الثالث، يسهل حصارها، دون إحتساب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمحاصرِين أيضاً، ومستخدمة النفط  ضدها وضد حليفتيها إيران وفنزويلا، وهو ما بدأ يعطي نتائج عكسية على اقتصادات بلدان تابعة لواشنطن، مصدر دخلها الرئيس هو النفط على نقيض روسيا وإيران .

وفي حين تسللت العديد من الدول منسحبة من التحالف الغربي الأمريكي الصهيوني، وتراجع ( الحماس ) عن المشاركة في مجاميع إلحاق الأذى الإمبريالي بالدول والشعوب المستقلة والوطنية الخارجة عن النفوذ الأمريكي، تعمقت في المقابل واتسعت دائرة التحالفات الروسية الصينية الإيرانية السورية العراقية الفنزويلية الكورية الديمقراطية، وغيرها ، فضلا عن البريكس ومجموعة دول امريكا اللاتينية وشنغهاي .

وواضح أنه كان لدى روسيا من المعلومات الإستخبارية ما يكفي، عن المشروع الأمريكي الإمبريالي العدواني في المنطقة، لتحقيق ما فشل عن تحقيقه خلال السنوات ألـ   5الفائتة، رغم كل ما أحدثه من دمار وانهيارات وفتن وشقوق اجتماعية في ليبيا واليمن وسورية والعراق ومصر وفلسطين ولبنان وتونس والبحرين ومن تقسيم للسودان وتوطين حالة فشل الدولة في الصومال وتقسيمها، ومن محاولات جر الحزائر ثانية للحرب عليه، ووضع موريتانيا في حالة التبعية لتل ابيب .

لكن الدولة الوطنية السورية التي على أرضها توقف تقدم ما اصطلح على تسميته؛ مشروع الشرق أوسط الجديد او الكبير، وعادت لتنقلب الأمور سوءاً على الإمبرياليين، في غير ساحة، كانت وما تزال هي المجال الحاسم في الصراع وفشل أو نجاح المشاريع بغض النظر عن حيثياتها، لاعتبارات عديدة ذاتية وموضوعية، تتعلق بنظامها السياسي والاقتصادي المستقر على مدى 4 عقود وجيشها الوطني العقائدي وتركيبتها الديمغرافية الحضارية المدركة لأهمية الاستقرار، وخصوصيتها كحاضنة تاريخية للعروبة ما يمنحها واجب ودور القيام بالواجب القومي العروبي، وإمكاناتها الاقتصادية المهمة وما يتمتع به شعبها من دأب وحرفية وروح حضارية عالية .

أما الظرف الموضوعي فيتعلق بالمتغيرات الدولية العميقة وأزمات أصحاب المشاريع المعادين للمنطقة إقتصادياً وسياسياً وتخلف حلفائهم وأتباعهم وما هم عليه من ظلامية وعقلية تكفيرية وممارسات طائفية ومذهبية فضلا عن تبعيتهم للمستعمر وعلاقاتهم العميقة مع المحتل الصهيوني والرجعية العثمانية .

لقد وجدت روسيا نفسها أمام خيار لا ثاني له، يقول بأن أمنها يرتبط بأمن المنطقة العربية ومركزه سورية، ليس دفاعاً عن سورية فحسب وإنما أيضاً درءاً للخطر عن أمنها القومي الإستراتيجي، والعالمي، فالإرهاب عابر للقارات والحدود والدول، مستعد لتأجير قدراته وقوة عمله لأي كان، والضرب في أي موقع ومكان، تحت مسميات من السهل عليه أن يتلفع بها، ويوغل في هدر الدم وتدمير المقدرات والحضارة والثقافة تحت أي مسمى بما في ذلك الدين، بل في المقدمة منه.

لقد كانت العصابات الصهيونية أول من مارس الإرهاب في المنطقة العربية وفي فلسطين في تاريخها الحديث بخاصة وجوارها بذريعة  إقامة الوطن القومي اليهودي  الذي اسفر عن إقامة الكيان الصهيوني (إسرائيل) وإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم ..

فما يتولد عن ممارسة الإرهاب، لا يمكن ان يكون إلا نتاج سوء من قتل واشغال عن القضايا الكبرى وعن التنمية والحضارة واستبدال ذلك بالتدمير والفتن والتجزئة والدول المسوخ  وإخلال موازين القوى الدولية والتبعية للمستعمر، فضلا عن إشعال الحروب بذرائع مختلفة، وانتشار تجارات السلاح والمخدرات والبشر وتبييض العملة، لضمان إستدامة الإرهاب  والإنفاق عليه وتسليحه وتدريبه والترويج له وتأمينه استخبارياً.

إن قرار روسيا بشن حرب مباشرة على الإرهاب في سورية بناء لطلب حكومتها الشرعية، قد يستتبع ذلك في العراق في حال طلبت حكومته ذلك، هو قرار استباقي لإسقاط المؤامرة الدولية على المنطقة ومنع امتداده الى روسيا وغرب الصين ومناطق أخرى من العالم، بعد فشل استغرق 5 سنوات وتريلونات الدولارات من الإنفاق، لم تحصد الإمبريالية و(قففها ) بنتيجته غير الفشل المريع.

صمود سورية قرابة 5  سنوات، أكد 3 امور أنه من المستحيل اسقاطها، من جهة، وأبدى من جهة أخرى جدوى دعمها من تيار المقاومة في تعجيل إنتصارها الناجز على الإرهاب، كما أظهر ثالثاً، أن دحر سورية للإرهاب على ارضها، سيولد إمكانية إنتقاله إلى دول حليفة لسورية، بتوجيه بوصلته من قبل داعميه الإمبرياليين بعيدا عن فلسطين وقضيتها،لذلك كان لا بد من الإجهاز الكامل عليه على الأرض  السورية، وكانت الضربات الروسية القاسية له، ومحاولات واشنطن مد آجال نهاياته بتزويده بالسلاح، بأمل تحقيق خلط جديد للأوراق أو الحصول على مكاسب سياسية محسّنة لصالحهم

في كل الأحوال، فإن سورية وروسيا وحلفائهما على جدية مطلقة بإلحاق هزيمة شاملة ماحقة بالإرهاب ومموليه والمتعاطفين معه بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل السياسية والديبلوماسية والقوة الناعمة. وفي ذلك فرصة للراغبين باللحاق بأنفسهم وتجاوز خطايا سنوات خمس.

 

محمد شريف الجيوسي