مساحة حرة

ما بعد الصدمة الروسية.. ومؤشرات الرد

بعد الدخول العسكري الروسي القوي والمباشر ومشاركة الدولة السورية في محاربة ومكافحة الإرهاب على أراضيها, من خلال التحالف الجديد بالقيادة الروسية مدعوما ً بالصيغة القانونية الدولية وشرعية الطلب السوري.. الأمر الذي انعكس ذهولا ًوغضبا ً لدى الطرف الأمريكي وتحالفه الحاقد على الدولة السورية, وما أظهره التنسيق العالي للجيش العربي السوري وقوة الضربات الجوية الروسية خلال الفترة الماضية, في تحقيق تقدم ميدانيٍ كبير على الأرض وإلحاق الهزائم الكبيرة في صفوف الإرهابيين في العديد من نقاط الاشتباك والتماس المباشر, والتي أثمرت عن تحرير وتطهير مساحات واسعة والقضاء على أعداد كبيرة من الإرهابيين، كان من الطبيعي للولايات المتحدة الأمريكية أن تحتاج بعض الوقت لإلتقاط الأنفاس واستعادة التوازن قبل أن تدخل المرحلة الجديدة التي فرضها الواقع الجديد روسيا ً.

فعادت إلى الخطوط الخلفية ودفعت بحلفائها وأدواتها لملئ الفراغ السياسي – مؤقتا ً- وإنهاء ما عملت على إحداثه من تغييرات هيكيلة وأساسية على بنية المجموعات الإرهابية من حيث التسمية والمرجعية ” الجهادية” والسياسية والتسليح الجديد والنوعي لوقف إنهيارها الكبير و دفعها للتمسك بمناطق سيطرتها, بشكل يخدم تحركها السياسي القادم للرد على المواقف الروسية الساعية لإرغامها على الدخول في مسار الحل السياسي الذي إعتمدته كخيار إعلامي يؤمن لها الغطاء المخادع لمتابعة الحرب وفق سياسة تقوم على حماية الإرهاب و توجيهه والإستثمار فيه لتحقيق أهدافها ومصالحها.

فسارعت بعض الدول الخليجية وعلى رأسها نظام اّل سعود لزيارة موسكو وإبلاغ الرئيس بوتين بحجم امتعاضها, وفي محاولة ٍ لثنيه عن مواقفه الداعمة للدولة والرئيس السوري, عبر أسلوبها الرخيص الذي تعتمده نهجا ًوسمة ً تميز ما تدعيه أداءا ًولعبا ً سياسيا ً, فحاولت شراء موقفه ورشوته ب / 300 / مليار دولار مقابل التخلي عن الرئيس الأسد, لكن الرئيس بوتين كان حازما ً وحاسما ً في رفضه وسؤاله وزير الدفاع السعودي: “هل تمارس الرياضة”؟؟ علّه يفهم حجم نظامه وأسلوبها اللا اخلاقي ..! فيما خرج وزير الخارجية عادل الجبير ليكرر مواقف سبق له أن أطلقها أمام الوزير لافروف, وأكد رغبة المملكة في رحيل الأسد عبر مرحلة انتقالية تُفضي لإقصاء الأسد عن الحكم, وأعاد تكرار تمسك بلاده بمؤتمر جنيف 1 .. لكن الوزير لافروف وبحنكته استطاع انتزاع توافقا ً مشتركا ً للبلدين يتمثل في الحفاظ على وحدة سورية.. على الرغم من إسراع المملكة في تقديم السلاح النوعي بما فيها صواريخ ” تاو” وغيرها, الأمر الذي يفضح نفاقها في الحديث عن دعمها للشعب السوري و وحدة أراضيه .

أما الدول الأوروبية فاتخذت موقفا ً موحدا ً عبر الإتحاد الأوروبي الذي أعلن أن ” التدخل الروسي يقوض قواعد اللعبة ” وكرر موقفا ً متذبذبا ً للدول الأوروبية حول قبولها أو رفضها لبقاء الأسد !؟ إذ أعلن موقفا ً متشددا ً أقرب منه إلى التهديد بأنه:” لن يوجد سلام دائم في سورية في ظل وجود الأسد ” وأن ” الغارات الروسية على المعارضة يجب أن يتوقف..فيما أعتبر حلف الأطلسي ” أن دعم روسيا للأسد يُطيل أمد الصراع في سورية “.. فيما انفردت فرنسا بإعلان لوران فابيوس: أنه ” لا يمكن أن نتخيل مستقبل سوريا بيد الأسد” في موقف ٍ يضاف إلى فشله الشخصي, يعكس رداءة أخلاقه و أداءه، إذ تحدث وقبل أسبوع عن الواقعية وضرورة بقاء الأسد .

أما الحليف التركي فسارع لبناء جدار في عمق الأراضي السورية بمسافة 100 متر , تحت حجة حماية حدودها, فيما انطلق ديمستورا نحو موسكو في زيارة ٍ أمريكية أكثر منها أممية يستمزج فيها رأي موسكو و قبولها لبعض المسميات للمجموعات الإرهابية, وإمكانية الاعتراف بها ك “معارضة معتدلة”, خاصة بعدما طرح لافروف تسائلا ً حول وجود هذه المجموعات وأماكن عملها وأسماء قادتها.. إذ تفرض المرحلة الجديدة على المبعوث الأممي – الأمريكي – اعتماد أسماء جديدة لفصائل جديدة لرسم الملامح السياسية للعمل في المرحلة الجديدة.

أما الغضب والإرتباك الأمريكي فتجلى في إعادة فتح المعركة الإعلامية الفاشلة ضد روسيا بالحديث مجددا ً عن الطائرة الماليزية وتوجيه التهمة لروسيا, في هدف ٍ واضح ٍ تسعى من خلاله لتشتيت وإزعاج روسيا ولنزع الصفة الأخلاقية عن تصرفات الدولة الروسية.. في الوقت الذي أوضحت الإستخبارات الروسية أن الصاروخ انطلق من منطقة تابعة ٍ للجيش الأوكراني.. فيما يطرح السؤال نفسه.. ما هي مصلحة روسيا بقصف طائرة مدنية..!!؟؟.

ومما زاد غضبها هو التحرك الروسي الدبلوماسي لتعريف وتوصيف وفرز الجماعات الإرهابية, وتوحيد الجهود لمحاربة الإرهاب في سورية.. الأمر الذي دفعها لرفض إرسالها وفدا ً عسكريا ً إلى موسكو بغرض التنسيق العسكري لمحاربة الإرهابيين, وإعلانها عن رفض استقبال أي وفد ٍ روسي عسكري لهذا الغرض… وكأننا بها تعترف صراحة بعدم رغبتها بمحاربة الإرهاب, ناهيك عن الأسلحة التي قامت بإلقائها لهم و التي وقع أغلبها بيد الجيش العربي السوري.

كان لسرعة التحرك الميداني للجيش العربي السوري بالتوازي مع الضربات الجوية الروسية, أثرا ً كبيرا ً في تغيير الخارطة الميدانية , و انزياحها لصالح الدولة السورية , خاصة ً مع رفع وتيرة الضربات الجوية الروسية اليومية من 20 – 25 طلعة إلى 60- 70 طلعة يومية , تسببت بهروب أكثر من 1000 إرهابي من “جبهة النصرة ” في الشمال السوري إلى تركيا , و عودة 800 منهم إلى أوروبا .

أما ميدانيا ً……

فقد ترجمت المجموعات الإرهابية غضبها من تقدم الجيش العربي السوري و قضاءه على العديد منهم, بإطلاق قذائف صاروخية على مبنى السفارة الروسية في دمشق , و على المناطق السكنية في العديد من المحافظات السورية, كما في حدث في دمشق وحلب – اليوم – إذ أمطرت مناطق سيف الدولة وشارع التلل والجابرية والميدان بوابل من القذائف الصاروخية, كرد مباشر على الترحيب الشعبي الكبير في الشارع السوري للدور الروسي الذي زاد من فسحة الأمل و تقصير أمد الحرب .. وأطلقت وعيدها بالرد كغزوة حماة وغيرها .

كما  ُأعلن عن تشكيل “قوات سورية الديقراطية”, الأمر الذي يثير الغرابة والقلق الروسي لإحتوائه عن فصائل كردية, في الوقت الذي سبق لها أن أعلنت عن إعترافها فقط بالجيش العربي السوري وبوحدات الحماية الكردية التي تدافع عن مناطقها على الأرض السورية .

كما بدأ الحديث والإعلان عن تشكيل “جيش الشام” في الشمال السوري، بعد صعوبات ٍ كبيرة لم تخلو من الصراع والصدام والإقتتال الداخلي, ويبدو أن الإعلان عن تشكيله يخدم المرحلة الجديدة للمعركة الميدانية والسياسية التي تقودها الولايات المتحدة وأدواتها بعيدا ً عن “داعش” والنصرة” كمجموعات إرهابية على اللوائح الأمريكية و الدولية.

ففي القلمون الغربي أُعلن عن تشكيل “سرايا أهل الشام”، وفي الجنوب وبعد توقف “غرفة عمليات ألموك” عن تمويل الفصائل.. فتصاعدت وتيرة استقطاب الإرهابيين من فصائل “الجبهة الجنوبية”.. في حين لجأت بعض الفصائل لمبايعة “جيش الإسلام”، أو”جيش اليرموك” أو “جيش السنة” أو “أحرار الشام” وسط معلومات تتحدث عن إمكانية دمجها معا ً .

وعلى مستوى القادة أعلن أبو هريرة الأمريكي انشقاقه عن “النصرة” والانضمام إلى “لواء شهداء اليرموك” الداعشي, كذلك إنضمام أبو تحرير الأردني إلى”جبهة ثوار سوريا”.

يُضاف إلى ذلك ما حصلت عليها “جبهة النصرة” من مبايعات بعض الفصائل الأوزبكية والطاجيكية ً، علاوة على التعيينات الجديدة التي قام بها زعيم “النصرة” أبو محمد الجولاني في كل من حلب وإدلب، و نقل أبو هاجر الحمصي من إدلب إلى زعامة التنظيم في حلب والذي كان يتزعم التنظيم في لبنان، وتعيين أبو حسين الأردني أميراً على إدلب.. بالإضافة لإنضمام بعض القادة العسكريون إلى “جيش الشام”، بكامل عدتهم وعتادهم  وانضمّوا إلى التشكيل الجديد.

كل ذلك يشير إلى أن مرحلة جديدة من إعادة الهيكلة وإنشاء تحالفات جديدة, لمنع ووقف الخلافات الداخلية, والتفرغ لتنفيذ المهام الخاصة بهم.

يبدو أن المرحلة القادمة تبشر بوجود إرادة إقليمية ودولية بما فيها الولايات المتحدة و فريقها تسعى إلى إحياء “تراث الجيش الحر” ودفعه إلى الواجهة من جديد، كمحاولة للضغط على روسيا وتقليص مساحة تحركها، بذريعة أن الفصائل الجديدة لا تنتمي ل”داعش والنصرة” وبالتالي لا يمكن اعتبارها إرهابية .. وعليه فإن استهدافها يدخل في خانة “الخطأ الاستراتيجي” الذي ألمحت إليه الولايات المتحدة .

في حين أن الدولتان السورية والروسية وإذ تراقبان هذه التحولات و تصنفها من خلال نجاح جهودهما في العمل على فرز المجوعات الإرهابية و قناعتها لأن فرزها سيؤدي إلى أضعافها و سيزيد من إحتمال تصاعد عمليات المصالحة من خلال معلوماتها عن رغبة الكثيرين من السوريين في العودة إلى حضن الوطن .. كما أن فرز المجموعات الإرهابية سينتج عنه عوامل مشتركة تتمحور حول قتال “داعش” .. الأمر الذي يكرس وجهة نظر العديد من الدول إما للإستغلال الإيجابي لحل الأزمة, بعد تفشي ظاهرة الإرهاب عالميا ً, أو سلبا ً لناحية إعتبارها بديلا ً عن النظام , مع تمتع بعض الفصائل والمجموعات ك ” أحرار الشام ” بدعم تركي وخليجي الأمر الذي يَعد بإطالة زمن الحرب وتطورها .

رغم غموض بعض التحركات, وغياب صدق نوايا الولايات المتحدة وحلفائها وعدائهم المعلن للدولة والشعب السوري, تبقى الأمور واضحة, فمن يقف مع تركيا وفرنسا وبريطانيا والدول الخليجية تحت أمرة أمريكا بالتأكيد هو يقف مع الإرهاب, ومن يقف مع سوريا وروسيا و الصين و العراق و إيران فهو ضد الإرهاب … وتجدر العودة إلى مقولة الرئيس بشار الأسد:” لم يعد هناك موقفا ً رماديا ً “.

ميشيل كلاغاصي