line1مساحة حرة

في دوافع الإرهابي أردوغان

بددت جريمة إسقاط القاذفة الروسية أمس المحاذير والاحتياطات التي اتخذتها أطراف تحالف ضرب الإرهاب لتجنب اصطدام سلاح الجو في سماء سورية والعراق.فحدث ما كانت تنسّق هذه الأطراف لتجاوزه.
لقد فعلها أردوغان عمداً، وعن قصد. ولفعلته النكراء هذه أسباب، وأهداف أيضاً، يصدر فيها عن قلقه الكبير من نجاح الحملة الدولية ضد الإرهاب، ما سيُفضي إلى حشره في الزاوية التي لن يخرج منها، وستفضحه تاريخياً وسياسياً وشعبياً وحزبياً وعالمياً.
فلأردوغان نسق ايديولوجي صارت مخاطره واضحة على تركيا، وعلى شعوب المنطقة والعالم، لذلك سارع فوراً إلى دعوة حلف الأطلسي للاجتماع، وكذلك دعا سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن عمداً منه إلى توسيع دائرة ورطته وتصديرها إقليمياً ودولياً، ما يدل أنه مقتنع بالخطأ والخطر، ويسعى إلى اصطدام دولي.
فما هي أبرز الدوافع لجريمته الأخيرة؟:
– منها الانتصارات المتتالية والمتسارعة التي يحققها الجيش العربي السوري بالتعاون مع الروس في ريف اللاذقية، وهنا لجأ الرجل إلى المتاجرة بالعلاقة بين “العرقيّة والإرهاب”، علماً بأن المواطنين السوريين هجروا تلك الأرياف منذ أن جعلها ممرات للإرهاب العابر والجوّال.
– فشلُ الطرح التركي في المنطقة الآمنة الذي اعترض عليه  المجتمع الدولي، وبدّده التقدم الميداني لقواتنا المسلحة.
– قلقه مع نجاح زيارة بوتين لإيران، ولا سيّما اللقاء مع سماحة الإمام خامنئي، ومن: “لن نخون حلفاءنا”.
– تأكّده من أن شعوب الغرب وساسته يخادعونه وهو يسابق الزمن ليجعل من تركيا دولة وظيفيّة منهمكة تاريخياً وواقعياً في إرباك شعوب المنطقة: العرب والفرس والأرمن والكرد والترك خدمةً لمشروع صهيوأطلسي ممتد منذ صيغة “الرجل المريض”. ومع هذه الوظيفيّة البغيضة، فإن أوروبا لم ولن تقبل تركيا في نسقها واتحادها، فبقيت بلاده معه قلقة تاريخياً وجغرافياً، وسياسياً واجتماعياً. وهكذا هو شأن الوظيفيّة للأشخاص وللدول.
– انفضاح نظامه كحامل وممر للإرهاب الجوّال، وللمتاجرة باللجوء، ما جعله عرضة لنوبات متتالية من العصاب والهيستيريا وهذا ما تبيّنه مراكز الأبحاث والدراسات وصنع القرار من مخاطر الرجل على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي كإرهابي عقائدي إخواني متطرّف بامتياز، ولا سيما أن الغرب يعرف تماماً طريق القلق التي يسلكها الإرهابي و”اللاجىء”.
وتكمن مشكلة هذه الدوافع في التبريرات التي استنبطها أوباما بالأمس والتي أسقطتها مسبقاً تصريحات بوتين القوية خلال لقائه الملك الأردني. وهي تبريرات غير مقنعة، لكنها متوقّعة ومعهودة من الأمريكان ومن حلفائهم الذين ظنّوا خطأ أن سورية بعد أسابيع من بدء الأزمة ستكون في ركاب المشروع الصهيو-أطلسي الرجعي العربي، ما يدفع إلى التساؤل عن الهدف من قول أوباما: إن حوادث مشابهة ستقع؟!.
وهنا ينجح أردوغان وكل من يقف معه في نقل بندقية محاربة الإرهاب من كتف إلى كتف أخرى. فينتقل المجتمع الدولي من التحالف لمحاربة الإرهاب، إلى الاحتراب بين أطراف التحالف نفسه. وهذه ضريبة أرباح مجانية كبرى يكسبها الإرهابيون الذين تاجروا بكل شيء بالنفط والدم وغيرهما مع نظام أردوغان.
هذا كلّه يأتي في وقت بدأ فيه الاجتهاد والعصف لتصنيف المجموعات الإرهابية في سورية، انطلاقاً من “الرأفة” بداعش وأخواتها على حد تعبير لافروف، هذه الرأفة التي بدت واضحة في تصريحات رئيس “الائتلاف” بالأمس لشرعنة الإرهاب وتمييع الحدود الفاصلة بين الإرهابيين. وهذا تمهيد للاجتماع المرتقب للمعارضة في السعودية، ما يجعل من الآمال المعقودة على هذا الاجتماع، وعلى هذا التصنيف سراباً، بل خراباً.
إن جريمة أردوغان، وتبريرات أوباما لها، إنقاذ حقيقي للإرهاب من ورطته التي بدت واضحة في قرارات مجلس الأمن، واجتماعات فيينا، وهذا إنجاز كبير تحققه داعش وأخواتها بالمجان.
يبدو مع الأسف أن المطلوب إنهاء التركيز على محاربة الإرهاب فكراً وممارسة، وأن كل ما يُحكى عن المسار السياسي في جنيف وموسكو وفيينا يُنسف اليوم نهائياً.
فنحن لا نتعامل مع إرادة وإدارة سياسية فاعلة في المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب، بقدر ما نتعامل مع إرهابيين “زعران”: مقاتلين وسياسيين.
إذن، لا شركاء حقيقيين في محاربة الإرهاب، ولا في المسار السياسي. وها هي الأمور تتجه إلى التصعيد بين أطراف المجتمع الدولي التي يقع على عاتقها طواعية تنفيذ القرارات ذات الصلة.
ما يؤكد ما بات قناعة راسخة عند الشعب السوري وحلفائه: “الكلمة للميدان”. وها نحن نمضي بتلاحم شعبنا وجيشنا خلف القائد الأسد لتحقيق الانتصار على المشروع الإرهابي.
د. عبد اللطيف عمران