line1مساحة حرة

“القدم”.. الجدران شاهد الزور!

لم تكن تلك الرحلة عبر حي القدم اعتيادية ربما، توقيت عودة أهالي الحي الموازي لخروج مسلحي جبهة النصرة وتنظيم داعش من احياء الجنوب الدمشقي الملاصقة لمخيم اليرموك جعل المكان أكثر جاذبية لعدسات الصحافة وشاشات الفضائيات والبث المباشر .. الطريق العابر محاذيا لمحطة القطار الشهيرة والواقع تحت سيطرة الحكومة السورية كان يغص بالخارجين والعائدين.. في ذلك المكان حيث تفصلك عشرات الامتار عن حي شهد خلال الفترة الماضية حالة من التهدئة تشلعها بين الحين والآخر محاولات تنظيم داعش الارهابي التوغل اكثر باتجاه العاصمة تلك المحاولات التي باتت مستبعدة الآن.. هناك وانت تراقب الابنية والشوارع والأرصفة يمكنك ان تلحظ جليا ان حربا قاسية جالت ها هنا.. قرب السواتر الرملية تطالعك الابنية والمحال التجارية التي بقي منها اسماؤها ولكنها بدت عارية تماما من اي باب او حتى واجهة واضحة المعالم اما اسمنتها المثقب بحبات الرصاص كان اوفر حظا من احياء الجوار من حيث الدمار الذي طاله فلا زالت هياكله حية ترزق .. يمكنك ان تشاهد ايضا لافتات لازالت معلقة لأطباء ومختبرات تحاليل طبية وحتى اعلانات طرقية لازالت على قديم عهدها باستثناء القائمين عليها ربما حملتهم الحقائب الى مواطن اللجوء الباردة..لو اشحت قليلا بصرك عن ذلك الدمار وامام مبنى شرطة حي القدم على الرصيف المقابل تماما تلفتك الارض الخالية من اسفلتها والمنظفة مليا ليصبح ترابها اكثر لباقة وترحيب بالقادمين فعمال النظافة تراقبهم بمشهد غريب يجرون عرباتهم في المكان متفقدين مايمكن اخفاءه من الفوضى التي لحقت به.. هناك ايضا صفوف من المقاعد معدة لاستقبال محافظ دمشق والقائمين على سير المصالحة كل شي معد هنا للاستقبال، كلاب التفتيش والحراسة، والغرفة المملوءة بتجهيزات مائدة ما وسيارة محملة بمكبرات الصوت المنشدة اغان تشيد بالرئيس الاسد.. هو المشهد حتى اللحظة السابق لبدء وصول اكثر من ثلاثمائة عائلة من سكان قدم عسالي المنتظرين في محطة القطار منتظرين الباصات الخضر المعدة لنقلهم والتي باتت الطرف الاكثر جهدا في تفعيل المصالحات على الارض.. من بين تلك العائلات اناس قصدوا الخروج لاول مرة ليعودوا بحاجيات افتقدوها طوال المدة التي كانوا مجبرين فيها على البقاء داخل حيهم وفي بيوتهم هؤلاء تفاجئك امنياتهم واحاديثم عندما يقولون عبالي شوف الشام وكانهم في دولة اخرى بعيدة جدا.. من العائلات ايضا من غاب اكثر من اربع سنوات وهو عائد الان هربا من مجزرة التشرد والصقيع تحت رحمة الغلاء والضيق اولئك يريدون فقط تفقد منازلهم فلربما وجدوا منها شيئا يقيهم جليد تلك البلاد التي ضاقت على اهلها.. عائلات اخرى اتجهت لتزور اقاربها الموجودين داخل الحي حاملين مالذ وطاب من العالم الاخر عالم دمشق ذات الشوارع النظيفة والمرتبة التي نحياها نحن.. كل ذلك المشهد على قسوته في منظورك الانساني وعلى دهشته في عرف الطبيعية لم يغلبه سوى الابتسامات والعيون الملهوفة لعودة مرتقبة الى حيث كانت البدايات الى البيوت المعلقة في الروح والذاكرة.. هم أيا كانوا هم سوريون يستحقون الحياة

 

رنيم الماغوط