اخترنا لك

صراع الوصايات يعصف بـ«جنيف السوري»

جمعة «جنيف 3» السورية تنتظر تظاهرة من أجل المفاوضات، وانتهاء الخلافات بين المعارضات السورية على تشكيل الوفود، وخريطة الطريق، وتمثيل الأكراد الذين لم يتلقوا رسائل الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، وظلت بطاقات الدعوات حبيسة الاعتراض التركي ومساومات الرياض، فيما كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يؤكد أن «جنيف السوري» لن ينعقد بغياب المكوّن الكردي، وهو أمر قد يفجّر المفاوضات.

وفي موازاة التعقيدات السياسية التي ستحدد مصير «جنيف السوري» خلال الساعات المقبلة، كان الميدان السوري يشهد مزيداً من التحولات في المشهد العسكري، حيث تمكن الجيش السوري من استعادة السيطرة على مدينة الشيخ مسكين الاستراتيجية في ريف درعا الشمالي، بعد حوالي شهر على إطلاقه عملية عسكرية واسعة النطاق في الجبهة الجنوبية، فيما كان حي الزهراء الحمصي على موعد مع عمل إرهابي هو التاسع عشر من نوعه، من خلال تفجير «داعشي» مزدوج، أودى بحياة 26 شخصاً وإصابة العشرات بجروح.

أما على المسار السياسي، فإن ضيق الوقت لم يسعف من تلقّوا الدعوات الى المثول في قاعات جنيف لحسم الموقف منها، والرد بالسرعة التي تتوخاها الأمم المتحدة.

ولكي يلتئم «جنيف السوري»، ينبغي انتظار أن تحسم مجموعة الرياض اليوم، بالتصويت، التناحر بين الكتلة التركية – القطرية من بعض «الائتلافيين» والعسكر، والتي ظهر في التصويت الاولي أن 12 عضواً منها يعارضون الذهاب الى جنيف، وبين كتلة من المستقلين و «هيئة التنسيق» و«السعوديين» فضلت الذهاب الى المفاوضات، بتصويت 17 من أعضاء الهيئة التفاوضية على ذلك.

الدعوات أظهرت الصدوع العميقة التي تشوب كل مجموعة، على مستوى تنسيقها مع الرعاة الإقليميين، حيث لعب الجميع ضمن الهامش المتاح سعودياً أو قطرياً أو تركياً أو روسياً وأميركياً، كما أظهرت تبايناً عميقاً في النظر الى نص الدعوة، وقد حررتها أيدي العاملين في فريق دي ميستورا، لكي تمثل قلب التفاهم الروسي الأميركي لخريطة المفاوضات.

دعوة وحيدة أرسلت الى الرياض، تاركة للهيئة التفاوضية العليا اليد الطولى لتشكيل الوفد.

أما المجموعة التي تدعمها موسكو فقد تلقى أعضاؤها 12 دعوة شخصية. وهذه الدعوات شملت: قدري جميل، هيثم مناع، ماجد حبو، جهاد مقدسي، رندا قسيس، عباس حبيب، نمرود سليمان، مازن مغربية، سليم خير بك، جمال سليمان، وفاتح جاموس.

الدعوات كشفت حجم الخلافات في الوفد الذي تدعمه موسكو. حاولت نواة اللائحة في لوزان أمس تجاوز هذه الخلافات، لكن من دون جدوى. وتضم النواة رئيس «مجلس سوريا الديموقراطية» («مسد») هيثم مناع، والأمين العام لـ «حزب الإرادة الشعبية» قدري جميل، ورئيسة «حركة المجتمع التعددي» رندا قسيس، وإلهام أحمد الرئيسة المشتركة لـ «مسد»، وزعيم «حزب الاتحاد الديموقراطي» صالح مسلم.

وقال مناع بعد الاجتماع إنه لن «يشارك في اجتماعات جنيف مع وفد بهذه الصيغة»، موضحاً «انتقدت قائمة الرياض لأنها غير وازنة وإقصائية وديماغوجية، ولن أشارك في وفد يحمل الصفات ذاتها، ولن أشارك في هذه القائمة، اذا لم تعد قائمة سورية، وقد اقترحت قائمة تسوية لم يؤخذ بها».

الخلافات دارت حول تسمية موسكو أعضاء القائمة، ورغبة مناع بدفع المزيد من الشخصيات التي تمثل «لجنة القاهرة» اليها.

أما الخلافات في الرياض فكانت تحت سقف الرعاية السعودية، ولكنها عكست ايضاً صراع الوصايات التركية – القطرية من جهة، مع الوصاية السعودية على قرار الهيئة التفاوضية العليا.

الاجتماع عقد للإجابة بـ «لا» أو «نعم» على الدعوة الى «جنيف». جورج صبرا قاد حملة الـ «لا» في الاجتماع. المعارضون، وأكثرهم من كتلة «الائتلاف» وبعض «العسكر» – باستثناء «جيش الإسلام» الذي تدعمه السعودية – اقترحوا تأجيل جنيف شهراً. السفير اسامة النقلي، مدير دائرة الإعلام في وزارة الخارجية السعودية، الذي توسط المجتمعين، رد بأن الطلب ليس واقعيا، فالسعوديون يدعمون على ما تقول مصادر في المعارضة، الموقف الأميركي. وكان عادل الجبير قد التقى المجتمعين صباحاً، وطلب منهم الاستجابة للموقف الأميركي.

ويقول المصدر المعارض إن السعودية قد لا تؤيد الصيغة المطروحة للتسوية السياسية في سوريا، ولكنها لا تريد أن تتحمل مسؤولية إفشال المؤتمر. أما المجموعة التركية فلا تريد الذهاب كلياً الى جنيف.

ويبدو أن المجتمعين اختاروا تأجيل حسم الخلافات واتخاذ موقف نهائي اليوم، بعد العودة الى التصويت مجدداً، والحصول على أكثرية مطلقة، في ظل غياب نظام داخلي يحدد أصول اتخاذ القرارات في الهيئة التفاوضية. وأرفقت مجموعة الرياض التأجيل الى اليوم، ببيان يعدد شروطها لحضور جنيف، ومآخذها على نص الدعوة التي تلقتها، إلا أنها، للمرة الأولى، لم تأت على ذكر حقها بالانفراد بتمثيل المعارضة السورية، ما يعني ضمنياً قبولها بوجود وفود اخرى.

وعادت الهيئة التفاوضية الى اعتبار إجراءات بناء الثقة جزءاً من «التمهيد للشروع في العملية التفاوضية»، وعدم اعتبارها جزءاً من المفاوضات، كما قضى بذلك التفاهم الروسي الأميركي، وهي إجراءات تتضمن فك الحصار عن بعض المدن وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف القوى الخارجية قصفها للمناطف الآهلة بالسكان.

ومن الواضح أن نص الدعوة المؤلف من 24 سطراً، والذي لم يأت على ذكر الحكومة الانتقالية التي تشترطها الهيئة التفاوضية، ينقل البحث مباشرة الى آليات تنفيذ الخريطة الأميركية الروسية للحل، بعيداً عن أية عملية انتقالية مباشرة، فالنص لا يقتصر على دعوة الوفود، أو ذكر المرجعيات الدولية من قرارات ينبغي أن تكون إطار البحث، ولكنه يذكر ثلاث مرات «إعلان فيينا» كمرجعية واضحة، ويتحدث عن جنيف مرة واحدة، ويذكرها كعملية انتقال سياسي، لكنه يسهب في المقابل في عرض الفقرة السابعة من «إعلان فيينا»، كما جاءت في القرار 2254. وقد خاطب دي ميستورا مدعويه الى جنيف بأن يضعوا نصب أعينهم أن مجلس الأمن قد توافق على «مخرجات محددة للعملية، وهي إقامة حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على أسس طائفية، وجدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، وانتخابات حرة ونزيهة تجرى عملاً بالدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة»، وهو تبنّ واضح وصريح للخريطة الروسية، بموافقة أميركية.

 

صحيفة “السفير”