مساحة حرة

السعودية وفشل المصالحة المصرية- التركية

بعد إخفاق تحالفاتها المتلاحقة اتجهت مملكة بني سعود إلى إجراء مصالحة بين مصر وتركيا وربط البلدين بالنظام السعودي الذي أوكلت إليه قيادة الأدوات الإرهابية في المنطقة لتنفيذ المخطط الصهيو- أمريكي وسارعت خطواتها نحو هذه المصالحة بعد أن شكّل دخول الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ حالة من الهيستيريا لدى حكام السعودية، في وقت كانوا يراهنون حتى اللحظة الأخيرة على ألا تفضي المفاوضات التي امتدت إلى أكثر من عشر سنوات إلى التوقيع عليه مستندين في ذلك إلى وعود وعهود بعض الأطراف وخاصة الطرف الفرنسي الذي وجدها فرصة للحصول على الرشا الضخمة وصفقات أسلحة بمليارات الدولارات وتعاون حكام المملكة ونسقوا مباشرة مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على طول الخط للضغط على بعض الدول في مجموعة «5+1» وعلى أعضاء الكونغرس الأمريكي لثني الإدارة الأمريكية عن إتمام الصفقة وإفشال الاتفاق ولكن من دون جدوى في النهاية.

إزاء ذلك بدأ النظام السعودي يتحرك باتجاهات مختلفة في محاولة منه لتطويق دور إيران الإقليمي المعترف به عالمياً فراح يلهث وراء أنظمة عربية وإقليمية للاصطفاف معها والسير على خطاها لمواجهة إيران ما بعد الاتفاق النووي الإيراني وراح يعمل على خطين الأول: النفخ في بالون الخطر المذهبي المفتعل تارة والتهويل «بالخطر الفارسي» المزيف تارة أخرى، والثاني: دفع الأنظمة العربية المترددة للتطبيع مع الكيان الصهيوني وإقامة علاقات مفتوحة معه في كل الاتجاهات وتقاطعت في هذا التوجه مع رجب أردوغان الذي أنهى مسرحيته بقطع العلاقات مع حكومة تل أبيب إثر عدوانها على غزة وعاد لينسق معها في كل شيء وبخاصة دعم التنظيمات الإرهابية في سورية.

وعلى قاعدة الوقوف في وجه النفوذ الإيراني المزعوم الممتد إلى العراق وسورية واليمن والبحرين ولبنان وفلسطين أقامت السعودية حتى الآن ثلاثة تحالفات إضافة إلى دخولها منذ البداية في «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة وجاءت هذه التحالفات المريبة على خلفية اضطراب المملكة منذ تورُّطها ضد سورية والعراق واليمن، ما يعكس إرباكات المتورِّط، سواء التي يعيشها داخل كيانه، أو من خلال الحروب العبثية التي يخوضها في الخارج، وإذا كانت بدايات التورُّط قد هدفت إلى تفتيت الدول العربية ورسم كيانات تخدم الكيان الإسرائيلي وتحجب الرؤية عن العروش الاستبدادية الغارقة في التخلف والماضية في ممارساتها الوحشية، فإن هذه الزحمة في التحالفات والمؤتمرات باتت أولاً وأخيراً تهدف إلى العدوان السياسي السعودي على إيران تحت مزاعم التهويل بالخطر الإيراني كخطر وحيد عليها.

من الواضح أن «التحالف» الذي تقوده السعودية في عدوانها على اليمن، لم يحقق لها ما كانت تبتغيه بل يبدو انه قد قارب حدود الإفلاس في تغيير معطيات الأرض، وتغييب حقّ الشعب اليمني في تقرير مصيره، وأما «التحالف الدولي» لمحاربة الإرهاب في سورية فقد فضح دور أميركا والغرب وبعض دول الخليج في المحاربة بـ«داعش» وليس الحرب عليه، وانفرط لاحقاً عقد ما يسمى «القوة العربية المشتركة» التي دعت إليه السعودية وقبل أن تتأسَّس هذه القوة، وتلا ذلك، «التحالف الإسلامي» العسكري الهش الذي لم يرَ النور، ثم الحلف الاستراتيجي بين السعودية وتركيا، إلى أن عُقِد مؤخراً مؤتمر دول مجلس التعاون الخليجي وبرزت خلاله الانقسامات حيال الموقف من إيران، ومؤتمر وزراء الخارجية لدول الجامعة العربية وانتهى كما العادة بمقررات ورقية لا قيمة سياسية ولا استراتيجية لها، لأن بعض دول الخليج ومعظم الدول العربية تُدرك، أن كل ما تحاول السعودية فعله هو الالتفاف على إيران في الملفات الإقليمية كلها، ما يُهدِّد المنطقة بتوترات وسخونة مواجهة مع إيران، ليست الدول الخليجية والعربية على استعداد للتورُّط بها وسط عدم رضا الدول الإسلامية الكُبرى عن الأداء الطائفي للمملكة الوهَّابية.

وعليه لم يبق في يد النظام السعودي سوى الورقة التركية- المصرية لتعويض هزائمه وفشل «تحالفاته» فهرع على عجل لتحقيق مصالحة بين مصر وتركيا لعله يمسك بقوتين إقليميتين كبيرتين على أساس مذهبي ضد إيران معتمداً في ذلك على علاقته المؤثرة اقتصادياً ومالياً في مصر وكذلك العلاقات المميزة مع نظام أنقرة.

إلا أن صعوبات شائكة كثيرة تقف في وجه عودة العلاقات بين مصر وتركيا إلى طبيعتها بل تبدو مؤشرات فشل الوساطة السعودية بين مصر وتركيا أكثر بكثير من مؤشرات نجاحها، صحيح ان مبدأ المصالحة يمثل هدفاً إيجابياً لكن الصحيح أيضاً ان إتمام مصالحة حقيقية بين أنقرة والقاهرة دونه عقبات كأداء عدة منها:

– تدهور العلاقات بين البلدين بعد سقوط محمد مرسي ونظامه إلى درجة القطيعة حيث وصلت أخيراً إلى نقطة اللاعودة وبات حجم الخلافات والتباينات بين الجانبين التركي والمصري أكبر من نقاط الالتقاء والتفاهم حيث لن تفضي محاولة المصالحة إلا لنتائج شكلية في أحسن الحالات رغم إلحاح السعودية بمراجعة مواقفهما بحثاً عن مكانة إقليمية أفضل في ضوء التقدم الإيراني بالمنطقة والتوازنات الدولية الجديدة وقلق مصر على أمنها القومي لكون جارتها ليبيا باتت أكبر بؤرة للإرهاب في العالم.

– الموقف من الإخوان المسلمين حيث تعد مصر اليوم الموقف من تنظيم «الإخوان المسلمين» قضية جوهرية ومبدئية ولذلك نشب صراع حاد بينها وبين تركيا أردوغان التي وقفت مع مرسي واحتضنت التنظيم بعد سقوطه وهي تتوجس حتى من عودة السعودية لبناء علاقات جديدة مع قادة التنظيم، وتركت علاقة الحكم السعودي مع «الإخوان المسلمين» الباب مفتوحاً لخلاف قادم ربما بين مصر والسعودية أيضاً.

– قضية التقارب المصري- الروسي، إذ من الواضح أن التقارب المصري- الروسي لا يأتي على هوى المملكة، بينما يسبب التقارب السعودي- التركي غصة لدى النظام المصري بعد موقف أردوغان من ثورة أحداث 30 حزيران2013، ووقوفه ضد الإدارة المصرية لمصلحة جماعة «الإخوان».

– قضية العدوان على اليمن حيث إن مصر لم تنسق وراء السعودية في عدوانها الوحشي على اليمن بالمستوى الذي تريده السعودية ولم تستجب لدعوة بني سعود للانخراط معهم في حرب برية ضد اليمنيين وهذا ما لم يكن يتوقعه حكام بني سعود الذين ظنوا أن الستة مليارات التي منحوها لمصر يمكن أن تشتري أرض الكنانة وتوظف جيشها في حروبهم الإرهابية التكفيرية لتدمير الدول العربية باسم ما يسمى «الربيع العربي» وتركيب أنظمة تخدم مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني والغرب.

– العقبة الإماراتية حيث إن مسألة المصالحة التركية- المصرية قد لا تروق لبعض الدول التي تربطها علاقات مميزة بمصر كالإمارات مثلاً أحد أبرز داعمي أحداث «30 يونيو» والقطب الخليجي المنافس للسعودية.. والأهم من ذلك كله أنه من الصعب التوصل إلى صيغة مُرضية بهذا الشأن مع وجود نظام تركي يتبنى سياسات فئوية ضيقة يعبر عنها في كل مناسبة ويستخدم الدين للتدخل في شؤون الآخرين ويوفر للقتلة منابر إعلامية للفتنة والتحريض الطائفي والمذهبي المقيت.

في ضوء المؤشرات السابقة تبدو الوساطة السعودية بين مصر وتركيا التي تجري في الخفاء متعثرة وفرصها شبه معدومة ولن يتعدى موقف مصر منها دائرة المجاملات الدبلوماسية ومسايرة رغبة الحكم السعودي ظاهرياً، إن كل ما سبق يجعل المصالحة بين مصر والنظام التركي أمام طريق مسدودة ومحكوماً عليها بالفشل في نهاية المطاف.

 

د. تركي صقر