مساحة حرة

سورية القوية ..تُفاوض!!

يُخطئ من يعتقد بأن الواقع في سورية أصبح من الضعف في البنية الهيكلية للقيادة والحكومة السورية بعد خمس سنوات من الحرب المركبة يسمح بالحصول على تنازلات جوهرية لصالح هذا الفريق او ذاك، لم تكن تقبله الحكومة السورية قبل هذه الفترة، أو أن يتمكن مجموعة أعداء سورية من تحقيق أهدافهم ضد الدولة والشعب السوري من خلال المفاوضات بعد أن عجزوا عن تحقيق أية مكاسب أو أجزاء منها عبر دعم التنظيمات الإرهابية والحرب القذرة التي فرضوها على الشعب السوري الذي كان ينعم بحياة آمنة ومستقرة قبلها، كما أنه واهم جداً من يُفكر ولو للحظة واحدة بأنه قادر على تحقيق غاياته ضد سورية عبر السياسة والتفاوض بعد أن فشل في الحصول عليها بالحرب والإرهاب، في الوقت الذي نجد فيه أن الدولة السورية اليوم قوية بإرادة شعبها وصمود وبسالة قواتها المسلحة ووقوف حلفائها معها ، وهي تذهب اليوم للتفاوض من موقع القوي ذاتياً والمحمي بحصانة قانونية كبيرة ترتكزعلى ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلحة، وخاصة القرارين 2253 و2254، الذي عبر عنهما رئيس وفد الحكومة السورية الدكتور بشار بشاار الجعفري بأنهم قرآن المفاوضات ولا يجوز تجاهل أي بند من بنودهما أو القفز فوقها لأنها تمثل إرادة دولية مشتركة.

المتابع لمجريات المباحثات التي انطلقت في جنيف يرى أن هناك حالة ضياع وتشتت في تشكيلة وأجندات الوفد الذي يُفترض أن يُمثل ” المعارضة ” المصنعة في الرياض والتي لم تمتلك حرية التفاوض أو التمثيل، في الوقت الذي يؤكد فيه راعيي الاجتماع وهما روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية  بأنه على جميع المدعوين المشاركة الفاعلة والجادة لاقتناص الفرصة وايجاد حل للأزمة السورية بما يتوافق مع بنود القرار الدولي 2254 دون فرض أية شروط مسبقة، نجد أن وفد ” المعارضة ” لم يزل يُردد خطاب بالٍ مضى عليه الزمن وتجاوزته قرارات مجلس الأمن والتوافقات بين الدول الكبرى، وكأن أعضاء هذا الوفد يسبحون في الوحل خارج كل التفاهمات الدولية بشأن إنهاء الحرب في سورية من خلال اعتماد محورين أساسيين هما:

–           محور محاربة الإرهاب والقضاء عليه على كامل الأراضي السورية كأولوية حتمية للإنطلاق بالعملية السياسية الشاملة وهذا لا يُمكن انجازه قبل تقديم القائمة التي تحدد من هي التنظيمات الإرهابية والتي تم تكليف المملكة الأردنية بإنجازها وهي تستمر بالمماطلة وعدم الجدية في إنهاء هذا الملف، ليس نتيجة عجز مخابراتي أو معلوماتي، بل بسبب انتظار التوجيهات التي تردها من قبل بعض الدول الكبرى، في إثبات جديد على تآمر الأردن بشكل غير مباشر على سورية والمساهمة في تأخير الحل المفترض للأزمة السورية.

–           انطلاق المحور السياسي بالتزامن مع وقف لاطلاق النار في المناطق التي لا تتواجد فيها عصابات إرهابية وفق توصيف الأمم المتحدة، وفتح الطريق أمام قوافل المساعدات الإنسانية وتشكيل حكومة وحدة وطنية بإدارة الرئيس بشار الأسد تقوم بالإشراف على انتخابت تشريعية ومن ثم رئاسية مبكرة السؤال الذي يفرض نفسه هو : ماذا يمتلك هؤلاء القادمون باسم وفد ” المعارضة ” من نقاط قوة وبُعد شعبي يقف خلفهم وما هو حجم تواجدهم الحقيقي على الأرض السورية حتى يتمكنوا من تثبيت ما تم الاتفاق عليه على الأرض؟

في حقيقة الامر نرى أن تفاؤل المبعوث الدولي ” ستيفان ديمستورا ” بالوصول إلى حل مقنع للأزمة السورية مبني على عناصر قوة الإدارة السورية التي تجاوبت بسرعة مع دعوة الأمم المتحدة ومبعوثها، انطلاقاً من ثقتها بقدراتها الذاتية وبقدرات حلفائها على حسم المعركة خلال فترة زمنية لن تطول كثيراً، وهذا ما أدخل أعداء سورية وداعميهم في نفق مظلم أصبحوا يُطلقون صيحات الاستغاثة للخروج من المعركة بأقل الخسائر السياسية الممكنة، سيما وأن إنجازات القوات المسلحة السورية تسير مسرعة نحو حسم المعركة، وهذا ما عكس إرادة دولية جادة في إنهاء هذه الأزمة التي بدأت شظاياها تُحرق مناطق عديدة جديدة كانت تعتبر نفسها بمأمن منها.

وقد يجد رعاة الاجتماع التفاوضي أنفسهم ملزمون بالعودة إلى مشروع السيد الرئيس بشار الأسد الذي أطلقه في بداية عام 2013 لحل الأزمة السورية، لأنه يُمثل أجندة وطنية شاملة مبنية على أسس القانون الدولي المتخصص في هذا النوع من الأزمات، كما أنه يُلبي طموحات وتطلعات الأغلبية الواسعة من الشعب السوري .

 

محمد عبد الكريم مصطفى