مساحة حرة

جامعة الدول العربية.. والمصلحة الإسرائيلية

لقد أسرفت الأنظمة الرجعية العربية المتمثلة بمجلس التعاون الخليجي من أموال شعوبها وقدّمت السلاح وجندت رجال السياسة والأمن والإعلام فيها لهدف واحد.. هو تدمير سورية.

ولو كانت قد خصصت اليسير من هذه الأموال والأسلحة ومن هذه الجهود العنترية الجبارة لتحرير فلسطين لكانت تحررت منذ سنين وربما توحد العرب، وما بقي جائع يئن في أي بلد عربي.

ويكفي هذه الأنظمة خزياً أن تتحدث دوائر السياسة والإعلام في الغرب وفي إسرائيل عن المصلحة الجوهرية المشتركة التي باتت تجمعها مع تل أبيب من أجل إسقاط الحكم وانهيار الدولة في سورية، وتصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على المقاومة العربية والإسلامية، وعرقلة المفاوضات الإيرانية ـ الغربية حول الملف النووي لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وها هي جامعة العرب التي دخلت كما خطط لها في غيبوبة وشلل، وبات لا يوقظها إلا استدعاء خليجي أو غربي أو مصلحة إسرائيلية لاستصدار قرار أو بيان بدعم أمريكا وشركائها ضد سورية يوفر الغطاء للإرهاب والإرهابيين الذين يعيثون فساداً على أرض قلب العروبة النابض بتمويل وتسليح وتسهيل خليجي ـ عثماني ـ غربي.

كان آخر فصول الكوميديا السوداء التي تعيشها الأمة العربية، وذلك الموقف العنتري الهزلي لمملكة آل سعود حين قررت أولاً  وقف ما سمي بالهبة السعودية للجيش اللبناني وتالياً  قرارمجلس التعاون الخليجي ضد حزب المقاومة والبطولة والفداء، حزب الله، واعتباره منظمة إرهابية.

أما  “جامعة العرب” التي استدعاها هذا القرار السعودي لأن تصحو من كبوتها، فاجتمع وزراء داخليتها في اليوم التالي لاجتماع مجلس التعاون، ومهروا قرار ممكلة آل سعود بختمهم العربي.

استميح القراء الأعزاء العذر إذا تطرقت في حديثي عن هذه الجامعة لتجربتي المهنية فيها كمندوب دائم للجمهورية العربية السورية على مدى أكثر من عقد من الزمن، شهدت خلاله خيبات هذه المنظمة في تداول الملفاة المصيرية للأمة، ابتداءً من اعتداءات الكيان الصهيوني المتكررة على لبنان وانتقالاًً للغزو الأمريكي للعراق، وصولاً الى دور الجامعة المشؤوم في تقسيم السودان وتدمير ليبيا ومن ثم عارها الأشد من خلال موقفها المخزي تجاه الأحداث في سورية، حيث اختارت هذه المنظمة ـ تحت قيادة أنظمة رجعية ديكتاتورية وظلامية ـ أن تكون طرفاً في الأزمة.. وتسعى الى خلق مبررات العدوان الخارجي على سورية، وتدعم قوى التطرف والإرهاب داخلها، وتناهض أي حل سياسي يقوم على توحيد إرادة الشعب السوري واستقلالية قراره ومصيره.

طبعاً ليس من قبيل النسيان أن أمر على تاريخ هذه المنظمة دون الحديث عن فلسطين قضية العرب المركزية، ولكن يكفي أن نتذكر جميعاً أن فلسطين العربية كانت المبرر الأول لقيام الجامعة حتى تتكاثف الجهود والقدرات لنصرة فلسطين وأهلها، فإذ بها تنقلب الى تجمع يسوّق لسياسات أمريكا والغرب ويرعى انفصال واحتلال أجزاء جديدة من الوطن العربي ويمهد لتصفية القضية الفلسطينية وضياع القدس وحقوق اللاجئين تحت مسمى   “التسوية التاريخية للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي” بعد أن كان اسمه صراعاً عربياً ـ إسرائيلياً يستهدف وجود الأمة وهويتها القومية.

لقد كان الموقف الرسمي لسورية ولـ ” حزب البعث العربي الاشتراكي” واحداً وواضحاً منذ البداية، أنه ونتيجة لحالة التشرذم العربي فلا أمل يرجى من هذه الجامعة، وأن العمل داخلها بات يهدف الى الخروج بالحد الأدنى من التنسيق وبأقل ما يمكن من الخسائر.

أما الآن وبعد المسرحية القطرية ـ السعودية لإخراج سورية من الجامعة ما عاد هناك من أمل ولا من رجاء في هذه المنظمة.

وأكثر ما يثير السخرية والحزن معاً بعد القرار الخاص بحزب الله أن منظومة الأخلاق قد سقطت في مستنقع السياسة الى درجة بات معها بعض العرب يتحدث  عن إرساء دعائم الديمقراطية وإجراء الانتخابات  وتغيير الحكم وإقامة حكومات الوحدة الوطنية ووضع دساتير جديدة في البلاد العربية الأخرى في الوقت الذي يرفض فيه أي انتقاد لنظام الحكم الشمولي والعائلي القائم في بلاده، ويقاوم التغيير عبر إجراء الانتخابات ووضع الدساتير متذرعاً بأن مشيئة الله اختارته لحكم الشعب وأن أي خروج على طاعته هو خروج على الشريعة والدين.

وكما كانت معركة سورية مع الإرهاب والإرهابيين معركة وجود واجهت خلالها قوى ظلامية اجتمعت قوى الغرب وحلفاؤها من الرجعيين العرب والإقليميين على دعمها وتمويلها بالسلاح والمال وتوفير جميع وسائل الحرب السياسية والنفسية والإعلامية القذرة لها.

سورية بقيادة أمل الأمة العربية وصانع انتصاراتها السيد الرئيس بشار الأسد، صمدت وقاومت ودحرت وحققت انتصارات باهرة لم ولن تتوقف أو تنتهي، لأنها صاحبة حق وقد أيقن أصدقاؤها في العالم وفي الوطن العربي أنها صاحبة حق ومبدأ وقوة في العقيدة وعلى الأرض.

ونحن اليوم كلنا ثقة أنه مهما اشتدت المحن والصعاب على حزب الله، حزب المقاومة، فلا يمكن لأي قوة أن تنسف هوية هذا الحزب النضالية المقاومة، لأن جذوره راسخة في تراب الأرض، وعقيدته صامدة لا تتبدل ورؤيته واضحة تجاه العدو والصديق، وسلاحه ضد العدو الإسرائلي وحلفائه، وسورية معه وحلفاؤهما سيعيدون رسم خارطة مستقبل الأمة العربية بما يحقق النهضة الحقيقية لمجتمعاتها وشعوبها ويعيد الحقوق لأصحابها.

بقلم الرفيق يوسف أحمد – عضو القيادة القطرية