line1مساحة حرة

تحالف فوق التشكيك

أثار الاتفاق السوري الروسي على تخفيض عديد القوات الجوية الروسية في سورية لغطاً واضطراباً واجتهاداً في آراء رجال السياسة والإعلام ومراكز الأبحاث وصنع القرار. وقد تجاوز أغلب هذه الآراء عمداً ماصدر رسمياً عن رئاسة الجمهورية العربية السورية وعن الكرملين في وقت واحد، ولاسيما ماجرى خلال الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الأسد وبوتين.
ولايبدو هناك مايبرر هذا اللغط والتجاوز، إلا تعمّد الاصطياد الفاشل في المياه غير العكرة أبداً. فقد أعلن الجانب الروسي مسبقاً موقفه المستمر والثابت من مكافحة الإرهاب من جهة، وحدد زمن وجود قواته الجوية بحوالى أربعة أشهر، بعد أن أكدت الدبلوماسية الروسية وعلى لسان لافروف في أواخر عام 2012، «إن الدول الضالعة في الأزمة السورية تصلّي كي تواصل موسكو وبكين عرقلة أي تدخل في سورية».
فمن الواضح تماماً أن التعاون مع سلاح الجوي الروسي لمحاربة الإرهاب تم منذ البداية جرّاء اتفاق بين الجانبين وبين الرئيسين تحديداً، وكذلك كان مؤخراً تخفيض عديد قوات هذا التعاون بعد أن تمت دراسة الخطوتين بعناية ودقة على خلفية التطورات الميدانية.
وعلى الرغم من أن التحالف الوثيق بين الجانبين السوري والروسي قائم على المصالح والمبادئ المتبادلة، فقد استمر التشكيك من مختلف المستويات انطلاقاً من أهداف المشككين بإرباك التنسيق السياسي والعسكري بينهما لحل الأزمة السورية، فقد رأت – على سبيل المثال – صحيفة الديلي تليغراف البريطانية أمس أن قرار الرئيس بوتين “بسحب القوات الروسية، مفاجئ، وغير متوقع”. وهنا يظهر الخطأ المقصود في الأمور الثلاثة فلا سحب للقوات الروسية، وليس القرار مفاجئاً أيضاً، وهو متوقع كذلك. إذن المسألة مسألة تشكيك ولأهداف مقصودة.
لذلك استمرت قيادة البلدين منذ أول أمس بتبديد هذه الشكوك، ونسف أهدافها من خلال التأكيد على الاستمرار في التعاون لمكافحة الإرهاب دون وجود أي نيّة في الضغط على القيادة السورية. وهذا ماستوضّحه وتؤكّده الأيام القادمة أكثر، بعد أن أوضحته الأيام والسنوات السابقة.
والأهم في هذا المجال أن التشكيك لايتعلق بالموقف الروسي، بل يطال قبل ذلك الموقف العربي السوري المبدئي والحازم في معالجة الأزمة منذ أيامها الأولى المنطلق أولاً من تقديم المسار السياسي التزاماً ببرنامج الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل وما اكتنفه من استجابة وحوار وتغيير وعفو.. إلخ هذا من جهة، ومن جهة ثانية من مبادرة القوات المسلّحة العربية السورية ومعها قطاعات واسعة من الشعب إلى ضرب الإرهاب ونسف جذور المؤامرة وفروعها.
كما اقترن التشكيك بأن جيشنا البطل ليس له الدور الأهم في التصدي للعدوان على الوطن ومصالح الشعب وقضايا الأمة، من هنا أتى بالأمس تأكيد قيادة الجيش على استمرار العمليات القتالية بكل حزم ضد التنظيمات الإرهابية والتنسيق مع الحلفاء حتى إعادة الأمن والاستقرار إلى جميع الأراضي السورية، وعلى أن تخفيض تواجد القوات الروسية تم جرّاء الاتفاق بين قيادتي الجيشين بما يتناسب مع التطورات المستجدّة.
فعلى هؤلاءالذين يدّعون الانخراط في المسار السياسي أن يدركوا أن القفز الجنوني نحو الحلم بالسلطة قبل القضاء على الإرهاب هو سراب وأضغاث أحلام. فالقرار 2254 أتى منهجياً وموضوعياً وواقعياً بعد القرار 2253 المتضمن أولاً محاربة داعش والنصرة وباقي التنظيمات الإرهابية المتفرّعة عنهما.
هذا التشكيك ليس مفاجئاً أو غير متوقع ولاسيما حين ذهب البعض في خياله إلى أن هذا التخفيض مرتبط بالضغط على الدبلوماسية السورية المتمسّكة بالخطوط الحمراء للسيادة والكرامة الوطنية، والمنطلقة من عدم السماح بالتطاول على مقام الرئاسة لأن هذا التطاول ينال الدولة الوطنية أولاً بثوابتها وتوجهاتها الراسخة والمعروفة وطنياً وعروبياً، بغض النظر عمّن ينهض بتبعات وأعباء هذا المقام في هذه الظروف الحرجة من تاريخ الوطن والأمة، علماً بأن المناضل بشار الأسد صار راسخاً في وجدان قطاعات واسعة من جماهير شعبنا وأمتنا أنه أكبر من رئيس، إنه القائد الوطني والعروبي في معركة الوجود والمصير التاريخية.
إذن، سيستمر التحالف مع الأشقّاء والأصدقاء لضبط فوضى المسار السياسي، ويبدو أن هذا الضبط مرتبط بالميدان السوري، وليس بالفنادق والمطارات وخارج الوطن.

د. عبد اللطيف عمران