line1مساحة حرة

في ذكرى تأسيسه الـ 69 البعث في مواجهة الرجعية

 

 

لم يعد – وللأسف – بإمكاننا اليوم أن ننكر أن الطائفي والمذهبي والتكفيري والإرهابي يمتلك “البيئة الحاضنة” في مجتمعاتنا، والقاعدة الشعبية أيضاً، وهذا طالما حُرم منه جرّاء حركة التحرر والاستقلال العربية إلى مطلع هذا العقد من الزمن، حُرم منه بسبب تنامي الوعي الوطني والقومي وحضوره في الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية.

لكن هذا الحرمان لم يطلْ مع بدء تسلل الكتب الصفراء إلى رفوف المكتبات الخاصة والعامة، ومع نشاط قنوات ووسائل التحريض والتضليل الديني والسياسي والفكري والاجتماعي بدعم من طفو ظاهرة الصهيو-بترودولار في مواجهة الثقافة الوطنية المقاومة للغزو والتطبيع والتكفير.

ولم يعد أيضاً بالإمكان نكران انتشار أدبيات الرجعية، مقابل انحسار  الأدبيات النهضوية التقدميّة في المجتمعات العربية والإسلامية، وعلى البعث رصد هذا التحوّل بتفكير جديد.

إذن، نحن أمام مواجهة طويلة الأمد قد تكون لاتزال في بداياتها، لأن الانتصار العسكري والسياسي في الميدان وحده لايكفي، فلابد من المواجهة الثقافية، لأن المشكلة حقيقةً في الوعي، ولا مستنيرَ بيننا يمكن أن ينكر آثار التضليل و”الكبتاغون” في المجتمعات العربية التي أدت إلى انحراف قطاعات واسعة من الشباب العربي، والمتأسلم منه خاصة، نحو الهاوية.

لا شك أننا في أقطار وأخطار لم يعد يجدي معها فصل الدين عن الدولة، بل صارت الحاجة ماسّة إلى فصله عن المجتمع والوطن والأمة.

ولذلك فالضرورة ملحّة اليوم إلى تعزيز فكرة الدولة الوطنية وإعادة بنائها على أسس جديدة واقعياً بعد هذا التشظّي والتذرّر، لكن هذا البناء لن يستقر ويُستكمل بعيداً عن الانتماء والشعور القومي، من خلال التركيز على التماهي بين الوطني والقومي، وكل من يظن غير ذلك، بسبب مافرضته الظروف الراهنة، فهو مخطئ.

إن إعادة بناء الدولة الوطنية العروبية هي الطريق الأهم – وبعضهم يراه الأوحد – إلى بناء وإحياء المشروع النهضوي العربي في مواجهة المدّ الرجعي العربي العثماني.

وعلينا جميعاً أن نعيد النظر وندقق في الفرق بين “العروبة الثقافيّة”، و”العروبة السياسيّة”، وألّا نترك الفكرة العروبية بطابعها الوطني والقومي التحرري النهضوي أسيرة في مهب رياح الرجعية العربية.

فعلى أهمية المنعكسات الإيجابية للانتصارات الميدانية المتتالية التي تحققها مؤسسات الدولة الوطنية وفي طليعتها الجيش العقائدي البطل على مفرزات الرجعية العربية والعثمانية، فإن هناك منعكسات أخرى معنوية هي غاية في الأهمية تتمثل في عودة الوعي إلى قطاعات واسعة من جماهير شعبنا على امتداد ساحات الوطن والأمة بأن ماحققته هاتان الرجعيتان من انتشار وتمدد وتضليل وتكفير وإرهاب هو بمجمله ظاهرة مؤقتة آخذة في الانحسار والتلاشي.

فقد أكدت أدبيات حزب البعث العربي الاشتراكي وتاريخه النضالي منذ البدايات حتى اليوم أن أهم الأخطار التي تواجه الشعب العربي وحقوقه وقضاياه الوطنية والقومية، هي تلك الناجمة عن تحالف الرجعية العربية والصهيوأطلسية. وها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم، إذ تجمع مراكز الأبحاث واستطلاع الرأي في العالم على استمرار الدعم المنظّم للإرهاب والتكفير من قبل حكام السعودية وقطر وتركيا ضد الهوية الوطنية والقومية.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلها البعث في مواجهة التحديات التي فرضها هذا التحالف في الميادين الوطنية والقومية بتحالفه مع التيارات والمنظمات القومية واليسارية والإسلامية المستنيرة المقاومة منها خاصة، فإن ثمار هذه الجهود بدت منذ مطلع العقد الثاني من هذا القرن خافتة وضئيلة، بل ليست كافية لمواجهة المدّ الرجعي الطافي على السطح بإمكاناته المالية والإعلامية المقترنة بالخيانة وشراء الذمم واستئجار العصابات.

فالبعث وحلفاؤه اليوم يواجهون في الوطن والأمة تقدّم الديني الطائفي والمذهبي على حساب الوطني والقومي.

فلا يمكن أن ننكر تصدّع المجتمع العربي الراهن جرّاء انتشار الإحياء الرجعي العربي خاصةً، هذا التصدّع  المقترن بتلاشي دور النُخب الطليعية المستنيرة التي كان لها دور سابق في ترسيخ الهوية الوطنية والعروبية، ليحل مكانها عودة الطائفي والمذهبي إلى الإعلام والثقافة والسياسة والمجتمعي.

إن حزب البعث بجماهيره وكوادره الوطنية والقومية وجيشه العقائدي، واستراتيجيته وديناميكيته ونظريته – بحاجتها الفائقة إلى المراجعة – قادر على التغلّب ميدانياً ومعنوياً على الرجعية وأسيادها وحلفائها وعملائها أيضاً، كما أنه قادر على إعادة الزخم والنهوض الشعبي بعد أن حقق انتصار الجيش العربي السوري تحوّلاً ووعياً جديدين على المستويات الوطنية والعربية والدولية.

 

د. عبد اللطيف عمران