مساحة حرة

الانتفاضة القادمة.. الخاتمة والنصر

jتجه القضية الفلسطينية الى مزيد من التعقيد، فمشروع الدولتين أصبح من الماضي حيث تجاوزته الوقائع الصهيونية، الأمر الذي جعل مجرد الحديث عنه، كلاماً سخريا في الهواء، وتمضية وقت بروتوكولي يجري الحديث عنه عبثاً، دون معطيات حقيقية على الأرض،  ومن قبل أضحت معاهدة أوسلو على ما بها من ثغرات ونواقص وعيوب، منتهية الصلاحية آيلة للسقوط.

وكانت عقلية التفاوض ووهم الحلول (السلمية) قد أفرغ الإنتفاضة الأولى من مكاسبها، متمخضة عن فأر ( أوسلو ) فيما الانتفاضة الثانية، أخطأت التقدير باستخدام السلاح، وعمليات التفجير والمفخخات في أوساط المدنيين (الإسرائيليين) فوحّدت )مجتمعهم( المعادي للأمة أصلاً، وعمقت التطرف ضد الشعب العربي الفلسطيني فوق ما هم عليه (أي الصهاينة) من عدوانية وعنصرية.

وزاد الطين بلة بتعمق الإستيطان الصهيوني في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، بالتزامن مع بناء جدار الفصل العنصري الذي اقتطع مساحات واسعة جديدة من الأراضي الفلسطينية، وما سبق ولحق بها من تجريف للأراضي وهدم للبيوت وطرد للسكان الفلسطينيين، وتضييق ممنهج على فلسطينيي القدس من مسيحيين ومسلمين، واعتداء على حرمة المسجد الأقصى المبارك تمهيدا لهدمه، ومن بيوع احتيالية لمقدسات مسيحية فلسطينية.

ورغم أن ذلك كان ينبغي أن يقابله تعميق الوحدة الوطنية الفلسطينية، بدلا من تكريس إمارة إسلاموية إخونية عازلة ومعزولة ومحاصرة في غزة، وسلطة فلسطينية شكلية في الضفة الفلسطينية، لا سلطة حقيقية لها سواء في غزة أو على أراضي الضفة، بل وتفاقم الأمر بمخالفة قيادتها لقرارات وتوجهات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الداعية بوقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، وبإعادة النظر في مجمل العلاقات معه، وتفعيل وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث تصبح الإطار الجامع الواحد لكل فصائل ومؤسسات الشعب العربي الفلسطيني.

وباءت بالفشل محاولات استعادة الوحدة، حتى اللحظة، الأمر الذي أضعف ويضعف الأطراف التي ترفع مسمى فلسطين وتقول أنها تعمل لصالح القضية الفلسطينية، وبغض النظر عن الأسباب و(الموجبات والضغوط) ومن يتحمل المسؤولية بدرجاتها المختلفة، بات أمل استعادة الوحدة بعيداً، والحديث يشتد عن مشاريع للوطن البديل في الأردن، الأمر الذي يدفع البعض للتعامل مع هذا الخطر بشكل مقلوب في الأردن، وليس بتوحيد الجهود لمحاربته، وإنما بصب جام الغضب على الأردنيين من أصول فلسطينية، الذين عندما أصبحوا جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، ضموا جزءاً مهما من وطنهم للمملكة الأردنية، وكان رصيد الذهب الفلسطيني عماد إصدار الدينار الأردني، وغير ذلك.

هذا القلب السياسي للواقع يمثل خطراً ماثلاً، ذلك أن الوجود الفلسطيني الراهن في الأردن، لا يشكل أي خطر على الأردن وشرق الأردنيين بل على العكس، وإنما يتمثل الخطر بما قد يقدم عليه الكيان الصهيوني من تهجير جديد لفلسطينيي الضفة أو لعرب فلسطين المحتلة سنة 1948، إلى الأردن، وهو خطر لا يقتصر على شرقي الأردن فحسب وإنما يتعداه إلى القضية الفلسطينية ككل، ما يستوجب حشد شرق وغرب الأردنيين، لمواجهته، وليس بتشتيت الجهد، وبحرف البوصلة في الصراع عن الكيان الصهيوني إلى صراع مع فلسطينيي الأردن ( غرب الأردنيين ) وهو ما قد ينذر بحرب اهلية في حال أصرار البعض على حرف البوصلة .

هذا الحرف للبوصلة، يذكر بما أقدم عليه البعض من حرف بوصلات المنطقة إلى صراعات مذهبية وطائفية وإثنية، وبرفع شعارات حرياتية كاذبة فيما هي في حقيقة الامر، حراكات إخونية ووهابية ومؤسسات مجتمع مدني ممولة أجنبياً، مرتبطة بأجندات خارجية، استغلت ظروفاً وأخطاء وممارسات، لتفرز في النهاية عصابات إرهابية مصنعة أمريكياً وإقليمياً، كـ داعش والنصرة والقاعدة وأضرابها من الأسماء الرديفة، بدلاً من أن تتوحد باتجاه العدو الرئيس ممثلا بالكيان الصهيوني .

ووسط هذه الأجواء المسمومة من جهة، ووسط عوامل إيجابية من جهة أخرى، تمثلت في تنامي قوة الدولة الوطنية السورية المسنودة من قوى المقاومة الشعبية، ومن محور المقاومة وحلفاء سورية كروسيا والصين، تزامنت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، معتمدة هذه المرة سلاح السكين والدهس لمواجهة صلف المحتلين الصهاينة، وأحيانا القنص في حالات محدودة .

ورغم أن المجلس الوطني الفلسطيني أكد في بيان صريح مؤخراً، على أهمية مقاومة المحتل (الإسرائيلي ) ودعم هبة الشباب الفلسطيني، وداعياً في أكثر من مناسبة إلى  تطبيق مقررات المجلس المركزي الداعية إلى وقف التنسيق الأمني مع تل ابيب وغير ذلك، إلا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خرج قبل أيام لينسف (كل امل) مؤكدا على إستمرار التنسيق الأمني مع الصهاينة، وقالت الأنباء، أن بحثاً دؤوبا عن السكاكين يتم في حقائب طلبة المدارس ؛ يقوم به رجال أمن السلطة .. حماية للصهاينة !؟ مع بالغ الأسف والمرارة .

ولا بد أن ما اعلنه عباس آنفاً، فضلاً عن كون ذلك يمثل إساءة شخصية بالغة له، قد تكون ختام تاريخه السياسي، فهي هدية مجانية لخصومه السياسيين الذين ينتظرون خطيئآت مماثلة، رغم ان بعضهم قدم من العري السياسي والإنحطاط أكثر من ذلك بكثير، ما يعجز عباس عن تقديمه، كما قدمت تصريحات عباس خدمة مجانية لحماس، وطعنة في كبد حركة فتح، والأهم من كل ذلك أنها شكلت إساءة بالغة للقضية الفلسطينية ولإنتفاضتها الثالثة .

ولكن تاريخ الشعب العربي الفلسطيني المقاوم  للمشروع الصهيوني على مدى أكثر من قرن من الزمن، وطبيعة القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب الأولى، شاء البعض أم أبى،ستبقى  مجرياتها تحدد مصير المنطقة العربية وجوارها والعكس صحيح، وفي حال لم تحقق هذه الهبة أغراضها، وتمكن العدو ودهاته ودعاته من وأدها، فلا بد أننا سنكون أمام انتفاضة فلسطينية رابعة، أشد عمقاً وإتساعاً، تأخذ بعين الاعتبار دروس الانتفاضات الـ 3 السابقة وكل دروس الهبات والثورات التي قام بها الشعب العربي الفلسطيني وكل شعب عربي مجاور وغير مجاور بمواجهة كل أشكال الاحتلال، وستعكس إنتصارات سورية ولبنان والعراق واليمن ومصر وليبيا والجزائر على الإرهاب نتائج إيجابية ؛ على انتفاضة الختام المعززة بالنصر.

 

محمد شريف الجيوسي

كاتب ومحلل أردني