line1مساحة حرة

الاستحقاق الدستوري.. وآفاق جنيف

 

يُقبل السوريّون اليوم منذ الصباح على صناديق الاقتراع بثقة وتفاؤل وتلاحم احتراماً وإجلالاً لدولتهم ومؤسّساتها الوطنيّة، ولدستورهم الذي صوّتوا عليه بنسبة متميّزة في ظروف صعبة أيضاً.

وتكتسب هذه الانتخابات أهميّة خاصّة في ظلّ التجاذبات المحليّة والإقليميّة والدوليّة ولاسيّما بين المسارين السياسي والعسكري، وإطلاق المفاوضات والحوار السوري السوري في جنيف. فاليوم يسجّل  المواطن العربي السوري اسمه وحقّه ودوره وواجبه في لوحة الوطن الخالدة المشرّفة، كما يسجّل هويّته وانتماءه من خلال صوته.

هذا الصوت الذي تضافرت قوى الشر من إرهاب وتكفير وتحالف صهيو-أطلسي رجعي عربي عثماني لمصادرته واستلابه، وبذلت جهوداً تدميريّة كبيرة لحرفه عن وعيه والتزامه الوطني وزجّه في مسارات أخرى هدّامة، وستفشل هذه الجهود بسبب الإقبال الذي سنشاهده اليوم، وبسبب النتائج التي ستظهر في الغد.

ونحن في هذا لا نستبق النتائج أبداً، بل يحقّ لنا بالمنطق الرياضي أن نقرن النتائج بالمقدّمات، فلطالما تمسّكت جماهير شعبنا بمصالحها وحقوقها وبتجربتها البرلمانية التقليديّة العريقة التي قارب عمرها مئة عام، حرصت خلالها على خيارها الديمقراطي الذي طوّرت من خلاله دستور الدولة، وتمسّكت به عبر سيرورته الوطنيّة والقوميّة التقدميّة.

كما كان من هذه المقدمات الإقبال الشعبي على الترشيح للانتخابات الذي فاق تاريخيّاً عن الأدوار التشريعيّة السابقة بنسبة الضعف، دليلاً على أنّ الشعب يعي أسباب الحرب على وطنه ويعرف أطرافها وأهدافها ومضارها، ويدرك بدقّة أهميّة هذا الاستحقاق الدستوري، وما سينجم عنه، خاصةً في هذه المرحلة.

ومن هذه المقدّمات أيضاً أنّ التأييد الشعبي المرتقب لقائمة الوحدة الوطنيّة، هو قرين هذا التأييد للوحدة الوطنية التي هي ردّ على كلّ من عارض هذه الانتخابات لاسيّما الجماعات المرتبطة بالولايات المتحدة وتركيا والسعودية، أعداء هذه الوحدة والديمقراطية، وأعداء الهويّة الوطنيّة التقدميّة العلمانيّة الذين يدعمون يومياً الجماعات الإرهابية بالسلاح، ويدّعون زُوراً ونفاقاً الحرص على الهدنة ودعم المسار السياسي.

فالأطراف المنزعجة من الانتخابات تؤكّد من حيث لاتدري صحة موقفنا بموضوعيّته ومشروعيّته ووطنيّته منها ومن الانتخابات. فمن يستطيع أن ينكر أنّ هذه الانتخابات تقليدٌ عريق، وجزءٌ من الاستحقاق الدستوري، وهي شأنٌ سياديٌّ أولاً وآخراً، والإقبال على الترشيح إليها سيكون نظير الإقبال على صناديق الاقتراع إذاً، خاصة أنّ قوائم المرشحين تمثّل كافة شرائح وقطاعات وأطياف المجتمع السوري؟.

ومن الّلافت للنظر أنّ جماهير شعبنا تُقبِل على هذا الاستحقاق أملاً وثقة منها أنّ ما سينتج عنها سيعزّز الحياة الدستورية، والتجربة الديمقراطية، والوحدة الوطنية، ودور مؤسسات الدولة الراسخة والمتجذّرة في أعماق الوطن والمواطن التي أدت دورها في تعزيز صمود سورية طيلة عقود طويلة «ففي مثل هذه الظروف الصعبة ربما الناس بطبيعتها لاتريد أن تجرّب الكثير من الأشياء الجديدة» كما قال بالأمس القائد الأسد.

فأهمية هذه الانتخابات كاستحقاق دستوري تأتي من الشعور الشعبي في أنّها:

1- تحمي الدولة بمؤسساتها وبدورها -2- تأتي نزولاً عند رغبة الشعب -3- لاتتناقض أبداً مع الالتزام بما ينتج عن المسار السياسي القائم على الحوار السوري السوري.

إذن: تبقى المشكلة عند “الأطراف الأخرى” العاجزة عن أن تكون طرفاً واحداً وطنياً آخر، وعن أن تدرك أنّ العلمانية في سورية نقيض الفيدرالية، وعن أن أغلب مراكز البحث واستطلاعات الرأي في العالم تؤكّد أنّ القائد الأسد يملك إمكانية النجاح في إنقاذ البلاد والمنطقة من التطرّف والتكفير والإرهاب المدعوم بوضوح من تركيا والسعودية، وأن أنقرة أقرب إلى الرياض منها إلى الناتو، وأن الشباب العربي يفضل اليوم الاستقرار والأمان على الديمقراطية.

وعلى تلك الأطراف أن تعيد قراءة الدرس جيداً في ضوء نتائج هذه الانتخابات وألاّ تتجاهل أنّ صمودنا هو معيار وأساس التطورات القادمة.

د. عبد اللطيف عمران