ثقافة وفن

قواعد العشق الأربعون.. “طريقة” إلى الله

 

رواية “العشق الأربعون” عمل أدبي ساحر يشبه إلى حد بعيد “الحديقة المتاهة” التي يدهشك جمالها وهندستها وفي نفس الوقت تتيه فيها ولا تستطيع الخروج منها، وإن تمكنت.. فلن تفلت منها بل بالعكس ستلاحق تفكيرك زواريبها.

“قواعد العشق الأربعون” عمل أدبي سلسل جريء معجون بالتاريخ وصراعاته الدينية ونتائجه على الحياة الاجتماعية والثقافية، فترة تاريخية تعد من أسوأ المراحل التي مرّ بها العالم الإسلامي. القرن الثالث عشر ميلادي لا يختلف كثيرا في المقاربات التي جمعتها الكاتبة التركية “إليف شفق” عن القرن الواحد والعشرين، الذي يحتدم بالحروب والصراعات الدينية والطائفية والانحطاط الثقافي.

بين زمنين.. تنقلنا “شفق” الكاتبة بين عالمين، فيه الله واحد وإن تعددت الأديان، توحيد الله وحبه، عالم روحاني يسمو بالنفس البشرية.

شمس الدين التبريزي، إحدى الشخصيات الرئيسية في الرواية، أثبتت الدراسات والمؤلفات التاريخية أنه لم يكن صوفيا ولا رجلا متدينا ولا روحانيا بل كان شاعرا أسس هو والعالم الجليل جلال الدين الرومي رقصة “الدراويش” والموسيقى التي ترافقت وأشعار الرومي، لكنه بين يدي الكاتبة اليف شافاق، التي اعتمدت على “الفانتازيا” التاريخية، يبدو وقد تغيرت ملامحه الرجل الصوفي والرافض للعادات والشعائر الدينية.

جلال الين الرومي قدمته لنا الكاتبة على أنه “العاشق” الكبير للتبريزي، الذي استطاع شمس الدين قلب حياته رأسا على عقب، فحوّله من رجل دين متزمت لأفكاره ذا شأن كبير بين العامة إلى صوفي كبير، جنح إلى الشعر والرهبنة حينا والى الظهور بين العامة بتواضع شديد يختلف عن صورته القديمة.

تكون هذه قصة الحب الأولى التي تجمع بين الصديقين اللذين جمعهما العشق الالهي والشعر ورقصة الدراويش، ما يجمعهما أيضا اختصره الرومي بعبارة واحدة: “كل الأشياء تصبح أوضح حين تفسر، غير أن هذا العشق يكون أوضح حين لا تكون له أي تفسيرات”.. العبارة التي اختزلت كل اسرار العلاقة التي جمعت الرومي بالتبريزي والغموض الذي بقي يحيط بها حتى اللحظة الأخيرة.

أما القصة الثانية وهي علاقة “ايلا” الناشرة الأمريكية المتزوجة التي يخونها زوجها طول الوقت والتي عشقت، عبر البريد الإلكتروني، الكاتب الاسكتلندي “عزيز” الذي يكتب عن الرومي.

تطرح الكاتبة التركية الشهيرة اليف شفق تصورين عن الدين، الأول باطني وهو الذي يجنح إليه الرومي والتبريزي، والثاني “الظاهري” وهم المتمثل بعامة الشخصيات. دخول الصوفيين الاثنين في صراع مع باقي الشخصيات التي تختلف عنهما، هو إسقاط على الفترة التاريخية التي عرفها العالم الإسلامي في القرن الثالث عشر، وهي نهاية الخلافة العباسية.. وهي الفترة التي عاصرها الرومي وصديقه. وفي نفس الوقت تتجاوز الرواية  كل الأديان وترتقي بالعلاقات على أسس أخرى وهي العشق والخير والنجاح والتميز والصدق والعطاء، فزوجتا الرومي لم تكونا مسلمتين وايلا يهودية عشقت عزيز المسيحي بالفطرة ثم تحول إلى ملحد وبعدها أصبح مسلما صوفيا.

قتل العشق التبريزي وقتل السرطان عزيز. التبريزي كان ضحية علاقة حب لم يستسغها محيطه الاجتماعي، علاقة لم تثبت أنها يوما كانت حسية وان كانت الروائية قد أوحت للقارئ بذلك، علاقة محرمة في الأعراف وجميع الديانات؟ مات التبريزي وعاش الرومي شاعرا حزينا، ليصبح أكبر شاعر صوفي في التاريخ الإسلامي.

مات عزيز بالسرطان وأراد من ايلا ان تعود إلى زوجها وعائلتها التي تنتمي اليها، ورفض أن ينتهي عشقهما علاقة عابرة قبل أن يموت.

مقاربات كثيرة جمعت الثنائيين جلال الدين وشمس الدين وعزيز وايلا. انتصر العشق في العلاقتين، وان انفطر قلبا الرومي وايلا.

رحلة شمس التبريزى تمتد من سمرقند وبغداد، إلى قونية التركية، ليلقى حتفه فيها، وكان قد أنهى بحثه عن “الله”… عزيز أيضا جاب افريقيا وآسيا وأوروبا بحثا عن “الله” وانهى حياته السرطان بعد عثوره على آيلا و”الله”.

 

البعث ميديا-سلوى حفظ الله